أنا متأكد أن السلطات والمؤسسات الاقتصادية من التيار السائد ستزعم بعد انتهاء هذه الكارثة أنها كانت أزمةً مصدرها خارجي ولا علاقة لها بأي عيوب جوهرية في نمط الإنتاج الرأسمالي والبنية الاجتماعية للمجتمع. سيقولون، الفيروس هو السبب. وهذا القول مكرر ولا يختلف عن مزاعم التيارات الاقتصادية السائدة بعد الركود العظيم لعامي 2008-2009م.
أثناء كتابتي هذا النص، لم تصل جائحة فيروس الكورونا (وقد عرِّفت رسميًا كجائحة الآن) إلى ذروتها، إذ يبدو أنها بدأت في الصين (رغم وجود بعض الأدلة التي ترجّح بدأها في أماكن أخرى أيضًا)، وانتشرت في أرجاء المعمورة، وقد فاقَ عدد حالات العدوى خارج الصين الآن الحالاتِ داخلَها، حيث توقف تزايدها في الصين تدريجيًا، بينما الازديادُ ما زال أُسِّيًا خارجها.
سببت الأزمة البيولوجية هذه فزعًا في الأسواق المالية، فانهارت أسواق الأسهم بنسبة 30% خلال بضع أسابيع، وتبدد عالم خيال الأصول المالية أبدية النمو الممولة بتكاليف اقتراض أبدية الانخفاض.
يبدو كوفيد-19 وكأنه «مجهولٌ مجهول»، مثلما بدى الانهيار المالي العالمي انهيارًا من نوع «البجعة السوداء» للركود العظيم قبل أكثر من عقد، ولكن كوفيد-19، مثل ذلك الانهيار المالي، ليس في الحقيقة رصاصة مجهولة المصدر – «صدمةُ» مزعومة لاقتصادٍ رأسمالي كان متناميًا بانسجام وتناغم. فحتى قبل اندلاع الجائحة، كان النشاط الاقتصادي أصلًا في تباطؤ متجه نحو التوقف في أغلب الاقتصادات الرأسمالية الكبرى، سواءً فيما يسمى بالعالم متقدم النمو أو الاقتصادات «النامية» في «الجنوب العالمي»، حيث بعض الاقتصادات كان ناتجها واستثمارها الوطنيان في انكماشٍ أصلًا، واقتصاداتٌ أخرى أكثر كانت على حافة الهاوية.
شكّلَ كوفيد-19 نقطة التحول الحرجة. وإن أردنا فهم ذلك، يمكننا تخيل كومة رملٍ متراكمة عموديًا. بعد فترة، تبدأ ذرات الرمل بالانزلاق، وبعدها تأتي لحظة معينة لو تضافُ عندها ذرة رملٍ واحدة، ستنهار كومة الرمل كلها، وإن كُنت ذو عقيدةٍ ما-بعد كينزية، فقد تفضل تسميتها بـ «لحظة مِينسكي»، تيمنًا بِهَيمان مينسكي الذي جادل أن الرأسمالية تبدو مستقرة حتى لا تعود كذلك، لأن استقرارها يولّد تزعزع الاستقرار. لكن الماركسيـ/ـة ستقول: نعم، يوجد عدم استقرار، لكن عدم الاستقرار هذا يتحول دوريًا إلى تَيْهُورٍ بسبب التناقضات الكامنة وراء نمط الإنتاج الرأسمالي للربح.
ويوجد جانبٌ آخر ينزع عن كوفيد-19 صفة «المجهول المجهول»، ففي بواكر 2018م، وأثناء لقاء في منظمة الصحة العالمية في جنيف، صاغت مجموعة خبراء (من بلوبرنت للأبحاث والتطوير) مصطلح «المرض س». توقع الخبراء أن الجائحة القادمة سيسببها مُمْرِضٌ مجهول جديد، لم يدخل بعد في الجمهرة الإنسانية، ورجَّحوا أن «المرض س» سينتج من فيروس حيوانيّ الأصل، وسينشأ في أحد بقاع العالم حيث النمو الاقتصادي يدفع الناس والحياة البرية للتقارب.
وسيُخلَط بين «المرض س» وأمراض أخرى باكرًا في الاندلاع، وسينتشر المرض بسرعة وبهدوء، مستغلًا شبكات السفر والتجارة البشرية، وسيصل لعدد من البلدان، ويتعسّر الاحتواء، وسيكون لـ «المرض س» معدل وفيّات أعلى من الإنفلونزا الموسمية لكنه سينتشر بسهولة انتشار الإنفلونزا، وسيهز بذلك الأسواق المالية حتى قبل أن يحقق حالة الجائحة. باختصار: كوفيد-19 هو «المرض س».
فكما جادل عالم الأحياء الاشتراكي روبرت والاس، الأوبئة ليست جزءًا من ثقافتنا فحسب، بل ثقافتنا تسبّبها. فقد انتشر الطاعون العظيم في أوروبا في وسط القرن الرابع عشر مع نمو التجارة طوال طريق الحرير، ونشأت سلالات جديدة من الإنفلونزا من رعاية المواشي؛ وفي المقابل، ترتبط إيبولا وسارس وميرس، والآن كوفيد-19، بالحياة البرية. عادةً ما تبدأ الجائحات كفيروسات في الحيوانات ومن ثم تقفز إلى البشر مع احتكاكنا معها، واحتمالات الطفوح هذه تتزايد أُسِّيًا مع دفع بَصْمَتِنا الإيكولوجية إيّانا إلى الحياة البرية في المناطق النائية، والإتيان بهذه الحيوانات إلى المراكز الحضرية عبر التجارة بالحياة البرية. وهذه الحالة التي لا سابق لها من انتشار إنشاء الطرق وإزالة الغابات وتجريف الأراضي والتنمية الزراعية، ومعها السفر والتجارة المعولميْن، تجعلنا حسّاسين لأقصى درجة لمُمْرِضات مثل فيروسات الكورونا.
هنالك جدالٌ سخيف في وسط علماء الاقتصاد من التيار السائد حول ما إذا كان الوقع الاقتصادي لكوفيد-19 يشكّل «صدمة عرض» أو «صدمة طلب»، فالمدرسة النيوكلاسيكية تقول إنه صدمة للعرض لأنه يوقف الإنتاج، والكينزيون يجادلون أنه في الحقيقة صدمة للطلب لأن الناس والشركات لن تنفق على السفر والخدمات وما إلى ذلك.
ولكنه، أولًا، وكما جادلت أعلاه، ليس «صدمة» بالمرة حقيقةً، بل الناتج الحتمي لاندفاع رأس المال نحو الأرباح في الزراعة والطبيعة، وللحالة الضعيفة أصلًا للإنتاج الرأسمالي في 2020م.
وثانيًا، الأمر يبدأ في العرض، وليس الطلب كما يريد له الكينزيون. فكما قال ماركس: «كل طفل يعلم أن أي أمة إن توقفت عن العمل، لن أقول لسنة، بل حتى لبضع أسابيع، ستهلك». (رسالة ماركس إلى كوغلمان، لندن، 11 تموز/يوليو، 1868م)، فالإنتاج والتجارة والاستثمار هي أوّلُ ما يتوقف حين تُغلَق المتاجر والمدارس والمؤسسات التجارية بغرض احتواء الجائحة، وحين لا يتمكّن الناس من العمل والمؤسسات من البيع، تنهار المداخيل والإنفاق بالطبع، وذلك يُنتِج «صدمة طلب»، والحال هو هو، واقعًا، في كل الأزمات الاقتصادية: كلها تبدأ بانكماش في العرض وتنتهي بانهيار في الاستهلاك، وليس العكس.
أدناه تصويرٌ (صادف أنه دقيق) من علماء اقتصاد التيار السائد لتشريح الأزمات.
بعضُ المتفائلين في العالم المالي يجادلون اليوم أن صدمة كوفيد-19 لأسواق الأسهم ستنتهي مثل أزمة 19 تشرين الأول/أكتوبر 1987م، ففي الإثنين الأسود انهار سوق الأسهم انهيارًا حادًا سريعًا، أشدُّ حدةً من الانهيار الحالي، لكنه عاد للعمل والنمو خلال بضع أشهر، ووزير المالية الأمريكي الحالي ستيفن منوشن واثقٌ من أن الهلع المالي سينتهي به الحال مثل 1987م، فهو يقول: «أتعلم، أنظر لكل الناس الذين اشتروا الأسهم بعد الانهيار في 1987م؛ أناس اشتروا أسهمًا بعد أزمة مالية»، وأكمَل: «للمستثمرين على المدى الطويل، ستكون هذه فرصة استثمار عظيمة . . . فهذه أزمة قصيرة المدى. قد تستمر شهرين أو حواليها، لكننا سنتجاوزها، وسيكون الاقتصاد أقوى من أي وقت مضى».
ولم يختلف كلام المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو، فقد حثّ المستثمرين على الاستفادة من سوق الأسهم المنهار وسط مخاوف فيروس الكورونا، فقال: «يجب على المستثمرين على المدى الطويل أن يفكّروا جدّيًا بشراء هذه الانخفاضات»، واصفًا حال الاقتصاد الأمريكي بـ «السليم»، وبذلك كرّر حقيقةً ما قالهُ قبل أسبوعين من الانهيار المالي العالمي لأيلول/سبتمبر 2008م: «إنَّ آفاقَ الأسهم للمتطلّعين إلى المستقبل، إلى ما وراء الزجاج الأمامي، في تحسّن يتلوه تحسّن».
في انهيار 1987م، عزّيت الأزمة إلى احتداد الحرب في الخليج الذي أدى لقفزة في أسعار النفط، وخوف من ارتفاع معدلات الفائدة، واستمرار السوق الثور لمدة خمسة سنوات دون أي تصحيح معتبر، واستحداث التداول المحوسب. ولأن الاقتصاد كان «في صحة جيدة» أساسيًا، فالأزمة لم تستمر. والحقُّ أن ربحية رأس المال في الاقتصادات الكبرى كانت في ارتفاع ولم تصل إلى ذروتها حتى نهاية التسعينيات (رغم انتكاسة 1991م). وبناءً عليه، يمكن القول إن 1987م كانت ما سمّاه ماركس بـ «الانهيار المالي» الخالص، الذي نتج عن عدم الاستقرار المتأصل في أسواق رأس المال المُضارَبة.
لكن الحال ليس على ذلك في 2020م، فهذه المرة سيتبع انهيار سوق الأسهم ركودٌ اقتصادي كما في 2008م، وذلك لأن ربحية رأس المال الآن، كما جادلتُ في مقالات سابقة، منخفضة، والأرباح العالمية ثابتة في أفضل الأحوال، حتى قبل اندلاع كوفيد-19، وكانت التجارة والاستثمار العالمييْن في انخفاض، لا ازدياد، وأسعار النفط انهارت، ولم تزدد، والوقع الاقتصادي لكوفيد-19 وُجِد أولًا في سلسلة الإمدادات، لا في الأسواق المالية غير المستقرة.
ما حجم الهبوط القادم؟ هنالك ورقةٌ رائعة لِبيير-أوليفييه غورنتشاس تُنَمْذِج الوقع المحتمل، يبين فيها أثر مخطط الصحة الوبائية الاعتيادي. دون أي رد فعل، تتخذ الجائحة هيئة المنحنى الأحمر اللون، وتؤدي إلى عددٍ ضخم من حالات العدوى والوفيات. وبردود فعل مثل الإغلاق التام والعزل الاجتماعي، يمكن تأخير قمة المنحنى (الأزرق) وتخفيفها حتى لو استمرت الجائحة لفترة أطول. ويفترض لذلك أنْ يخفف من وتيرة العدوى وعدد الوفيات.
يجب أن تهدف سياسة الصحة العامة إلى «تسطيح المنحنى» عبر فرض إجراءات البعد الاجتماعي الصارمة والترويج للممارسات الصحية اللائقة، لأجل التخفيض من معدل انتشار العدوى. تتبع إيطاليا حاليًا منهجية الصين للإغلاق التام، حتى وإن كانت لم تبدأ حتى وقعت الفأس بالرأس، وبريطانيا تجرّب منهجية محفوفة بالمخاطر، بالعزل الذاتي للناس الأكثر حساسية للمرض، وسماح بإصابة الشباب والأصحاء بالعدوى لبناء ما يسمى بـ «مناعة القطيع» لتجنب إنهاك النظام الصحي. ما تعنيه هذه المنهجية أساسًا هو شطبُ حياةِ كبار السن والأشد حساسية للمرض، لأنهم سيموتون على أي حال لو أصابهم المرض، وتجنب الإغلاق التام الذي سيضر بالاقتصاد (والأرباح). ومنهجية الولايات المتحدة هي أساسها عدم فعل أي شيء: فلا فحوصات على نطاق واسع، ولا عزل ذاتي، ولا إغلاق الفعاليات العامة؛ فقط انتظر حتى يمرض الناس ومن ثم عالج الحالات الشديدة.
يمكننا تسمية هذه المنهجية بالجواب المالتوسي، تيمنًا بأكثر علماء الاقتصاد الكلاسيكي رجعيةً في القرن التاسع عشر المبكر القس توماس مالتوس، الذي جادل أن هنالك أعداد فائضة من الفقراء «غير المنتجين» في العالم، وعليه فالأوبئة والأمراض الدورية ضرورية بل وحتمية لزيادة إنتاجية الاقتصادات.
وقد جادل الصحفي البريطاني المحافظ جيرمي وارنر لأجل ذلك بالنسبة لجائحة كوفيد-19 الذي «يقتل كبار السن أساسًا»، فقال: «لأكون صريحًا جدًا، فمن منظورٍ اقتصادي غير منحاز أبدًا، قد تثبت كوفيد-19 في النهاية أنها مفيدة بعض الشيء على المدى الطوير بذبحها الجماعي والمتزايد للمسنّين المُعالِين». وفي معرض ردّه على الانتقادات قال: «من البديهي أن هذه كارثة بشرية لكل المتأثرين بها أيًّا كان العمر، لكن مقالي عن الاقتصاد، لا عن مجموع البؤس البشري»، وللحق، لهذا السبب سمّى ماركس علم اقتصاد بواكر القرن التاسع عشر بفلسفة البؤس.
سببُ عدم فرض الحكومتين البريطانية والأمريكية (حتى الآن) إجراءاتٍ صارمة، مثلما حصل في الصين ولاحقًا (وإن متأخرًا) في إيطاليا وغيرها، هو أن ذلك سيزيد من انحدار منحنى ركود الاقتصاد الكلي. فعندما ننظر لحالة الصين أو إيطاليا، سنرى أن زيادة البعد الاجتماعي استلزمت إغلاق المدارس والجامعات وكل المؤسسات غير الضرورية، والطلب من أغلبية السكان البالغين سن العمل بالبقاء في المنزل. فبينما قد يتمكن بعض الناس من العمل من المنزل، فذلك كسرٍ صغير من كامل القوى العاملة، وحتى لو كان العمل من المنزل خيارًا متاحًا، فالإخلال القصير الأمد لروتين العمل والأسرة ليس بالأمر الصغير، ومن الأرجح أنه سيؤثر على الإنتاجية، وباختصار: أفضلُ سياسات الصحة العامة ستدفع بالاقتصاد إلى التوقف المفاجئ. وتلك هي صدمة العرض.
سيكون الضرر الاقتصادي ذو حجمٍ معتبر. يحاول غورنتشاس نمذجة وقع ذلك، ويفترض أن إجراءات الاحتواء، مقارنةً بخط الأساس، تخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50% في شهر واحد و25% لشهر آخر، وبعدها يعود الاقتصاد إلى خط الأساس، ويشير: «وذلك السيناريو بحد ذاته سيسدد ضربة قوية على أرقام النواتج المحلية الإجمالية، بانخفاضٍ لنمو الناتج السنوي قدره 6.5% مقارنةً بالعام الماضي. وإن ازداد الإغلاق ذو نسبة 25% لشهر آخر، سيشارف الانخفاض في نمو الإنتاج السنوي (مقارنةً بالعام الماضي) على الـ 10%!». وللمقارنة، وقف الانخفاض في نمو الإنتاج الأمريكي في عاميّ 2008-2009 لـ «الركود العظيم» عند 4.5%. يخلص غورنتشاس إلى أننا «على وشك أن نشهد انخفاضًا يمكن أن يقزّم الركود العظيم».
في قمة الركود العظيم، كان الاقتصاد الأمريكي يخسر الوظائف بمعدل 800,000 عاملـ/ـة كل شهر، لكن الأغلبية الساحقة من الناس كانت موظَّفة أو تعمل، ونسبة البطالة وقفت عند 10% «لا أكثر». وبالعكس، ها هو فيروس الكورونا يخلق وضعًا حيث – لفترة وجيزة – 50% أو أكثر من الناس قد لا يتمكنون من العمل، والوقع على النشاط الاقتصادي سيكون بالمثل ارتفاعًا.
النتيجة هي أن الاقتصاد، مثل النظام الصحي، يواجه مشكلة «تسطيح المنحنى»، فنقاطُ المنحنى الأحمر تشير إلى الإنتاج المفقود في سيناريو الانخفاض الحاد والشديد، تعمّقه القرارات الاقتصادية لملايين الفاعلين الاقتصاديين في سعيهم لحماية أنفسهم بتقليص الإنفاق، وتأجيل الاستثمار، وخفض الائتمان والتحصّن العام.
ما العمل لتسطيح المنحنى؟ يمكن للمصارف المركزية أن توفر السيولة المخصصة لحالات الطوارئ إلى للقطاع المالي، وهي فعلًا تقوم بذلك، ويمكن للحكومات أن توظّف تدابير ضريبية تقديرية موجَّهة أو برامج أوسع لدعم النشاط الاقتصادي. ويمكن لهذه التدابير أن تساعد في «تسطيح المنحنى الاقتصادي»، أي: الحد من الخسارة الاقتصادية، مثلما يتبين في المنحنى الأزرق، عبر الحفاظ على توظيف وأجور العمّال حتى يتمكّنوا من تسديد الفواتير أو تأخيرها أو شطبها لفترة. ويمكن إنقاذ المصارف تمويل المؤسسات التجارية الصغيرة حتى تنقشع العاصفة، مثلما جرى في الركود العظيم.
لكن مخاطر الأزمة المالية تظلّ عالية، ففي الولايات المتحدة، ارتفع دينُ الشركات، وهو اليوم مركّزٌ في سنداتٍ أصدرتها الشركات الضعيفة (بتقييم BBB أو أقل).
وقد تلقى قطاع الطاقة ضربة مزدوجة مع انهيار أسعار النفط، وازدادت علاوات المخاطر باطّرادٍ (تكلفة الاقتراض) في قطاعي الطاقة والنقل.
إن التسهيل النقدي لن يكفي لتسوية المنحنى، فمعدلات الفائدة لدى المصارف المركزية تقف إمّا قرب الصفر أو عندها أو تحتها، والحَقنُ الضخم للائتمان أو المال في النظام المصرفي سيكون مثل الضغط على المطاط في أثره على الإنتاج والاستثمار، والتمويل الرخيص لن يسرّع سلسلة التموين ولن يشجع الناس للعودة إلى السفر، ولن يساعد إيرادات الشركات إن لم ينفق الزبائن.
يجب أن يأتي التخفيف الاقتصادي الرئيس من السياسة المالية، فقد قدَّمت الوكالات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي 50 مليار دولار، وها هي الحكومات الوطنية تطلق برامج التحفيز المالي المتنوعة، فقد أعلنت الحكومة البريطانية إنفاقًا ضخمًا في ميزانيتها الأخيرة ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي على تدابير إنفاق لحالات الطوارئ.
لكن هل ذلك كافٍ لتسوية المنحنى إن كان شهران الإغلاق سيخفضان أغلب الاقتصادات بما قدره 10%؟ ليس في هذه الحزمات المالية الحالية ما يقترب ولو قليلًا من 10% من الناتج المحلي الإجمالي، ومثلما جرى في الركود الكبير، الصين وحدها قدَّمت مقدارًا كهذا، فمقترحات الحكومة البريطانية لا تشكّل إلا 1.5% من كامل الناتج المحلي الإجمالي، بينما يقف مقترح إيطاليا عند 1.4% والولايات المتحدة عند ما هو أقل من 1%.
من المحتمل أنه مع نهاية نيسان/أبريل، سنشهد قمة الحالات الكلية عالميًا ومن ثم انخفاضها. هذا هو ما تأمله الحكومات وتخطط له. إن جرى هذا السيناريو المتفائل، فلن يختفي فيروس الكورونا، بل سيصبح مُمْرِضًا يصيبنا كلّ عام مثل الإنفلونزا (والفرق هو أننا لا نعلم عن الكورونا إلّا القليل). ولكن حتى إغلاقٌ طوله شهرين سيسبب ضررًا اقتصاديًا ضخمًا، وحزمات التحفيز الضريبي والنقدي لن تتجنب الانخفاض الحاد، حتى لو خفَّضت من «المنحنى» بعض الشيء. القادم أسوء.
المصدر: مدوّنة مايكل روبرتس