مقدمة الهامش:
نواجه اليوم أزمةً وكارثة مزدوجة، تضاف على كوارث الحروب والتهجير والمجاعة، وناتجة عن عقودٍ من العيش تحت الرأسمالية المنفرطة، بلا أي قيود أو ضوابط، تسلّع الحياة البشرية والحيوانية والبيئية، وتوظّف كل أوجه الحياة والموت على هذه الأرض لغرضها الأوحد: مراكمة الثروة والأرباح.
سيزعم الغارقون والغارقات في أوهام رأس المال أنها كل هذه الأزمات والكوارث إمّا لا يمكن توقعها، أو أنها حتمية وطبيعية لا خلاص منها في الحياة البشرية. وهي، كما يبين مايكل روبرتس في هاذين المقالين، ليست طبيعية بالكامل، إذ أنّ الجائحة ناتجةٌ عن دفع الرأسمالية للبشر والحياة البرية للتقارب في سعيها لاستخراج الأرباح من الاثنين، وليست متعذرة التوقع، بل هي توقعتها مراكز الأبحاث بل وقدَّمت توصياتٍ استباقية للتصدي لها، تجاهلها أتباع المنظومة النيوليبرالية الحية الميتة.
في النص الأول، المعنون: سيقولون الفيروس سبب الأزمة، يبيّن مايكل روبرتس تهافت الادعاءات التي ستحاول إنقاذ الرأسمالية من الإدانة التي تستحق، فهو سبق وأن تنبّأ بقدوم هذه الأزمة في عدّة نصوص، منها ورقة نشرناها بعنوان: الكساد الخفي والأزمة الاقتصادية القادمة، وفي النص الثاني، هبوط «السوق الناشئة»، يبيّن ما يتجاهله عالم الاقتصاد والمال مما تحمله الأزمة من أثرٍ أسوء على بلدان الجنوب العالمي.
هذه الجائحة، التي أتت كصدمة تنبهنا اليوم لشاشة المنظومة العالمية مُدَّعية الأبدية والجبروت، تذكّرنا بأن حتى الكوارث «الطبيعية» تحمل أثرًا متفاوتًا على مختلف الناس، بسحقها مجتمعات الطبقة الكادحة في الجنوب العالمي التي جرّدتها الرأسمالية من شبكات الأمان الاجتماعي، وَبِهربِ رؤوس الأموال «الوطنية» إلى مراكز رأس المال لكي تحتمي من أثر الدمار الذي ألحقته بنا، وبتحصّن الأثرياء في قلاعهم وغنائهم لنا لنتخيّل عالمًا آخر في حين يخيّر عمّال اليومية بين الموت جوعًا والموت مرضًا، وبمفاقمتها وحشية المنظومة الأبوية في المنزل لمن لم يكن «الحجر» في المنزل أمرًا مستحدثًا في حياتها.
هذا هو واقع الأزمة التي نعيش، والقادم ليس بأفضل من السالف، إلّا إنْ نهضنا لنخلق ونكتب تاريخًا جديدًا؛ تاريخٌ يقدّم الإنسان على الربح.