Facebook
Twitter
Telegram
Share on facebook
Share on twitter
Share on email
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on pocket
في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2018م، أعلنت الجمعية الوطنية لمنظمة لن تنقص منّا واحدة (Non Una Di Meno) «حالة تعبئة دائمة» تمهيدًا للثامن من آذار/مارس للعام التالي، حيث استُخدمت هذه العبارة لتوضيح الخطوات الممهدة لـ الإضراب النسويّ الأممي الثالث (سلسلةٌ من تظاهراتٍ ضد سياسات الحكومة الإيطاليّة اليمينيّة العنصريّة والكارهة للمرأة)، لكنها سميت هكذا أيضًا لوصف الإضراب كسيرورةٍ عمليةٍ. تمثل لن تنقص منّا واحدة اليوم الحركة الاجتماعية للإضراب النسوي. لقد وصلنا لهذه المرحلة لأن السنة الفاصلة بين الثامنيْن من آذار/مارس لم تكن فارغةً أبدًا، بل شُبِّعت بالمبادرات السياسية أطلقتها المشارِكات في المجالس المحلية للحركة، وبالانتفاضات النسويّة العالميّة المتعددة التي غذّت هذه المبادرة: الإضرابات والحملات التعبوية الجماهيرية في بولندا وإيرلندا وإسبانيا، والصراع الأرجنتينيّ الجبّار لأجل الحق في الإجهاض المجانيّ القانونيّ الآمن، وإضرابات الأساتذة في الولايات المتحدة، وكذلك الإضرابات المحلية للنساء ونضالاتهنّ الأقل شهرةً، واللاتي لا تقل أهميّةً بأيّ حالٍ من الأحوال.
يشير اسم لن تنقص منّا واحدة، الذي يستحضر الشعار أو الصرخة الأرجنتينية ضد عنف الذكور (Ni Una Menos) التي تحمل المعنى نفسه، إلى أنّ التجربة الإيطالية تمثل امتدادًا لحركةٍ عابرةٍ للحدود، إذ أنّ الدعوة التي انطلقت من الأرجنتين لإضرابٍ نسائيٍ، والتي استوحيت بدورها من الإضراب البولنديّ ضد تحريم الإجهاض، قد حوّلت التعبئة الهائلة ضد قتل النساء إلى حركةٍ عالميةٍ قادرةٍ على إحداث عمليات تسييس مختلفة. فالالتحام الذي حصل بين النسوية والإضراب غيّر كلا النشاطين. وبكونه موجّه ضد العنف الأبوي، اكتسب الإضراب بعدًا اجتماعيًا كاملًا: باعتمادها وتجاوزها ممارسات الإضراب التقليدية المعطِّلة للإنتاج، دفعت الحركة النسوية بالإضراب إلى خارج أماكن العمل وحوّلته إلى نضالٍ ضد إعادة إنتاج شكلٍ محددٍ من الاضطهاد الذي يؤطّر المجتمع على شاكلته، حيث بدأ يُنظر إلى الاغتصاب وقتال النساء كقمَّتي عمليةٍ اجتماعيةٍ ذات أشكالٍ عديدةٍ: من التقسيم الجنسي التقليديّ للعمل، والذي فاقمته السياسات النيوليبرالية المتمثلة بالتقشف وخصخصة دولة الرفاه الاجتماعي، إلى تسويقه، والذي يستند بشكلٍ رئيس على استغلال عمل المهاجرات، من الاعتداء على حرية الإجهاض إلى تزايد العنصرية العرقانية المؤسساتية، التي تطال، في المقام الأول، جميع المهاجرات/ين وتضفي الشرعية على وجود الطبقيّة الاجتماعيّة، ومن الدفاع الرجعيّ عن الأسرة الأبوية إلى سياسات الزعزعة. وفي الوقت نفسه، استحضر الإضراب النسويةَ في أماكن العمل، مسلطًا الضوء على الصلة بين العنف الأبويّ والاستغلال، ومظهرًا كيف أنّ التحرشات الجنسية، والتقسيم الجنسي للعمل، وإعادة إنتاج الطبقية الجنسانية ضروريٌّ لفرض الرقابة على عمل النساء وتفريق الطبقة العاملة. وبهذه الطريقة، تغيّرت طبيعة الحركة النسوية بفضل الإضراب: إذ أصبح يُنظر للعنف الأبوي كركنٍ مركزيٍ من أركان النظام النيوليبرالي. تحتاج النيوليبرالية للأبوية والعنصرية العرقانية لأنهما يوفران الشروط السياسية لإعادة إنتاج رأس المال كعلاقةٍ اجتماعية، والتي يصعب عليها الاستمرار دون ذلك الفائض من العنف. ولذلك، وعبر الإضراب، تزعمُ المبادرة النسوية أنّها نقطة الانطلاق لمعارضة المجتمع الرأسمالي العالمي. ويصبح الكفاح ضد عنف الذكور مناسبة ليتخذ الجميع موقفًا ونصرخ معًا بأعلى أصواتنا ألا تحرر لأحد على حساب اضطهاد واستغلال شخصٍ آخر.
كانت وما زالت ضرورة إعادة النظر في الإضراب وممارسته كمبادرة نسوية، وتشارك أشكال الخطاب والمطالب، تشكّل التوجه الإرشادي لمنظمة لن تنقص منّا واحدة. فمنذ عام 2016م، أُسّست مجالس محلية في جميع أنحاء إيطاليا، حتى أنّ العديد منها قد أُسس في قرىً صغيرة. وهذه المجالس تنسق فيما بينها على مستوى وطنيٍ من خلال قوائم بريديةٍ، ومكالمات سكايب، ولقاءات وطنية عامة، حيث تمثل الأخيرة الفضاء الذي تُناقَش فيه الخطوات المستقبلية وتُوضَّح فيه الأولويات السياسيّة. تتألف المجالس المحلية من «المراكز المناهضة للعنف» (مراكز نسوية لدعم النساء الناجيات من علاقات تعنيفية أو المكافحات في وجه آثار الاغتصاب وعنف الذكور)، وتجمعات نسوية، وتجمعات مجتمع الميم، وجمعيات ونقابات شعبية، وأشخاصٌ كذلك – معظمهن من النساء، وبعض الرجال – من اللاتي لم يكن نشطات سياسيًا من قبل. فيما يتعلق بالتنظيم، تمركز جهدنا في تجاوز التحالفات البسيطة للمنظّمات الموجودة مسبقًا، وذلك عبر تحويل المجالس لأماكن إنتاج الخطاب المشترك بين الجميع، وتخطيط الأنشطة والمبادرات السياسية القابلة للتوسع والتعمق، بدءًا من الإضراب النسوي كسيرورة.
نظرًا للتكوين غير المتجانس للتجمعات، فقد استغرق الأمر بعض الوقت لتحديد مجال النضال المشترك والمفردات السياسية المشتركة، حيث أنّ صياغة تحليل مشترك لأشكال العنف الأبوي المتعددة قد مكن لن تنقص منّا واحدة من إيجاد مطالب سياسية مشتركة: إجهاض آمن وقانوني ومجاني ضد الاعتداءات المستمرة على القانون ينظّم الوصول إليه، والذي يهدف إلى الحد من حرية المرأة وإعادة فرض الأسرة الأبوية كهيكلٍ ضروريٍ لإعادة إنتاج النظام الاجتماعي، حدٌّ أوروبي أدنى للأجور لمكافحة التفاوتات الاقتصادية التي تأثر على النساء كعمّال، ولمكافحة الطريقة التي يدار بها تفاوت الأجور بين البلدان كوسيلةٍ لتشديد استغلال العاملات المهاجرات في الأسر وأماكن العمل، دخلٌ أساسي لـ «تقرير المصير» كأداةٍ تساهم في كفاح النساء ضد العنف، وضد الأشكال الجديدة لنظم العمل التي سنتها الحكومة الوطنية لتشديد سيطرتها على العمل، والتي أثّرت على النساء بشكل خاص، وتوفير تصريح إقامة أوروبي غير مشروط للمهاجرات والمهاجرين، ضد جميع أشكال العنصرية العرقية المؤسساتية التي تُضفي الشرعية – بازدياد – على استخدام الاغتصاب كأداة لإدارة الحدود، وتُفاقِم استغلال العمال المهاجرين. في العامين الماضيين، كانت هذه المطالب جزءًا من مبادرات المحلية والوطنية لمنظمة لن تنقص منّا واحدة. وليست هذه المطالب محض قاعدة للتفاوض مع الحكومة المسؤولة، ولا برنامجًا يسيء استخدامه حزب ما في حملته الانتخابية، بل هي تعبيرٌ عن استقلالية لن تنقص منّا واحدة عن جميع المنظمات السياسية القائمة، وتعرّف منصة لتوسيع وتعزيز سيرورة التنظيم تحت راية الإضراب النسوي.
هذه السيرورات مستمرة وتعيد الأهمية للإضراب من منظورٍ نسويٍ. وبما أنّ الإضراب يهدف إلى تعطيل عمل المرأة المعيد للإنتاج، المأجور وغير المأجور، فقد انخرطت المنظمة في محاولة إبراز ما هو مخفي عادةً داخل جدران البيوت، على الرغم من كونه أساسيٌ لإعادة إنتاج المجتمع على ذلك النحو. فإلى جانب استخدام رموز الإضراب – كأعلام المنظمة الممكن تعليقها على النوافذ، أو حمل المناديل للإشارة على المشاركة في الإضراب – استمر الإضراب 24 ساعة في جميع مدن إيطاليا، بهدف تعطيل يوم العمل العالمي لإعادة إنتاج اجتماعي، حيث كان ذلك واضحًا من خلال المسيرات. وفي السنوات الأخيرة، في إيطاليا وفي بلدان أخرى أيضًا، مثلت المسيرات جزءًا من الإضراب كلحظةٍ توحد لمواجهة ورفض الأدوار الجندرية التي فرضها العنف الاجتماعي الأبوي. مثّلت المسيرات، إذن، اللحظة التي تستطيع أولئك العاجزات عن تعطيل العمل الإنتاجي – بسبب عزلتهن، وهشاشة موقعهن، وإمكانية تعرضهن لنقمة رؤساء عملهن – كسر تلك العزلة والتواصل مع الكثير ممن يشاركونهن أوضاعهن. في المدن الكبرى، كانت المظاهرات حاشدة وشارك فيها عشرات الألاف من الناس. وحتى في المدن الصغرى، تمكن الناس من فتح سيرورات التسييس والتنظيم والتعزيز المتبادل.
لا تحصر منظمة لن تنقص منا واحدة نفسها على تنظيم تظاهرات الثامن من آذار/مارس، بل وتهدف أيضًا إلى إقامة علاقة سياسية مع النضالات التي يبرز فيها الاستغلال والاضطهاد الأبوي والعنصري العرقي. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، أيّدت المجالس المحلية للمنظمة، كتلك الموجدة في بولونيا، حركة المهاجرين المنتظمة ذاتيًا في كفاحها ضد قانون الأمن الجديد الذي سنّته وزارة الداخلية اليمينية المتطرفة، برئاسة ماتيو سالفيني، والتي فاقمت من كارثية الظروف المعيشية للمهاجرات والمهاجرين. وفي الآونة الأخيرة، ساندت المجالس المتواجدة في مدينة مودينا وحولها العاملات المهاجرات المضربات ضد شركة إيتالبيتزا، وهي شركةٌ تستفيد من وضع النساء كمهاجرات لتجنب الالتزام بعقود عمل ملائمة، بهدف تقليص أجورهن. وفي كاتانيا، دعمت المنظمة كفاح مجموعةٍ من النساء في مركز الراعية النهارية لم يتلقي أجورهن منذ أشهر. وفي ميلانو، تواصلت بعض المهاجرات والعاملات المنزليات مع المنظمة لإدانة المضايقات والتحرشات والانتهاكات الجنسية اللاتي يرتكبها رؤساءهن. في كل هذه الحالات، لم يكن دعم المنظمة مجرد عمل تضامني رمزي، بل كان محاولة لإبراز الطابع السياسي العابر للأوطان لنضالات النساء وإضراباتهن، وخلق مساحةٍ تتمكن النساء فيها، كالعاملات المنزليات المهاجرات، من الإعراب عن آراءهن.
معنى جعل الإضرابِ نسويًا هو الإتيان بالكفاح ضد العنف الأبوي إلى أماكن العمل. من الممكن أن يعتبر هذا المشروع مثيرًا للجدل، بسبب معارضة النقابات له. وفي واقع الأمر، تؤثر الحركة الاجتماعية للإضراب النسوي على النقابات بشكل كبير، مما يثير ردود فعلٍ وأفعالًا معادية، ولكنه فوق كل شيءٍ يجبرها على اتخاذ موقف ما. ولذلك أنتجت الحركة جبهة إضرابٍ تضم العمال والنقابات الشعبية وقواعد النقابات الرئيسية، واللاتي تختلف في الرأي مع قادة النقابات. وبهذا الشكل، تعيد الحركة الاجتماعية للإضراب النسوي تعريف الإضراب كسلاحٍ سياسيٍ يتحدى جميع أشكال التنظيم التقليدية، وكعملية وصلٍ بين أشكال العمل المختلفة التي قسمتها وأضعفتها عقودٌ عديدةٌ من سياسات الزعزعة. الإضراب النسوي إضرابٌ سياسي، إذ أنه يهدف إلى مواجهة النظام الأبوي باعتباره علاقةً جوهريةٌ لقمعٍ اجتماعيٍ يدعم الاستغلال الرأسمالي. وبسبب طبيعته السياسية، فإن الإضراب النسوي قد أصبح فعلًا حركةً عابرةً للحدود، وهو بالتالي يعبّر عن معارضةٍ قويةٍ للسياسات القومية الرجعية التي يسنها السلطويّون المعاصرون والنيوليبراليون الشعبويون، من أمثال بولسونارو وأوربان وسالفيني. واقعًا، لدى كل دولةٍ تشريعاتها الوطنية الخاصة بشأن الإجهاض، والعلاقات الأسرية، والهجرة، والعمل، وأنظمة الرعاية الاجتماعية. وبالتالي، فإنّ الحركة النسوية في كل بلدٍ في صدد صياغة برامج تهدف إلى محاربة السياسات الرجعية التي تطبقها دولٌ تسعى إلى معارضة مطلب الحرية الذي نهضت به نساء، والمهاجرات/ون، والعمّال من جميع الهويات الجندرية. لكن، وتمامًا كما اتّسمت هذه السياسات الوطنية بالعمليات المتزامنة الأبوية، والعنصرية، والنيوليبرالية، العابرة للحدود، فإن حركة مقاومتها هي أيضًا حركةٌ عابرةٌ للحدود أيضًا. لم تترجَم ممارسة الإضراب النسوي العابر للحدود لمستوى التنظيم بعد، لكن وعلى مدى الأشهر الماضية في إيطاليا فقد بدأت منظمة لن تنقص منّا واحدة مناقشة الحاجة والأهمية الملحة لاجتماعٍ عابرٍ للحدود. شاركت بعض الناشطات الإيطاليات، إلى جانب نساءٍ من فرنسا وألمانيا وتركيا والأرجنتين ونيكاراغوا وشيلي، في اجتماع اللجنة الأممية لـ 8 آذار/ارس، في فالنسيا خلال المجلس الوطني الإسباني التي دعت إلى تنظيم إضرابٍ نسويٍ في الثامن من آذار/مارس الماضي. وفي 29-31 من آذار/مارس، شاركت العديد من النشطاء من مختلف البلدان في التعبئة والتجمع الذي نظمته لن تنقص منّا واحدة ضد المؤتمر العالمي للأسرة الذي انعقد في فيرونا في نفس الفترة. هذا الاجتماع الرجعي هو دليلٌ على أنّ الهجمات المحلية على حرية المرأة وما يسمى بـ «أيدولوجيا الجندر» جزءٌ من محاولةٍ عالميةٍ مشتركةٍ لإجبار النساء على «البقاء في مكانهن» ولتعزيز دور الأسرة في بناء النظام الاجتماعي الطبقي، خاصةً في هذه الفترة التي تتسم بازدياد حدة الاستغلال النيوليبرالي. إن الإضراب النسوي، والمظاهرة المبهرة التي أطلقتها لن تنقص منّا واحدة ضد المؤتمر العالمي للأسرة في الـ 30 من آذار/مارس، وكان قوامها مئة وخمسون ألفًا، يُبيّنان بوضوح أنّ المزيج هذا من القمع والاستغلال لا يمكن مواجهته من خلال العمل على المستوى الوطنيّ فقط. من شأن عقد اجتماعٍ نسويٍ عابرٍ للحدود – والذي بدأت مناقشته في فيرونا كعملية تتشارك فيه ناشطات نسويات من عشر بلدانٍ مختلفةٍ على الأقل – أن يشجع التواصل العابر للحدود بشكل أعمق، إذ أنّ تحقيق شيء أكبر من مجرد التحالف البسيط للمجموعات والممارسات والمطالبات الوطنية، وإعادة التفكير بها جميعًا من منظورٍ عابر للحدود، لهو خطوة حقيقية إلى لأمام، حيث سيصبح من الممكن قراءة ظروف الاستغلال والاضطهاد المحلية في سياق عمليّات الإنتاج والاستغلال ضمن سلسلة القيمة والعناية العالمية، ولكن أيضًا في ضوء الحركة التي تدعي كسر هذه السلاسل. قد يكون عقد اجتماع نسوي عابر للحدود فرصةً لتعزيز حركة إضرابٍ تهدف إلى تقويض الاضطهاد على المستوى العالمي وتسمح بالتالي بمكافحة مظاهِره المحلية والوطنية.
يندرج هذا المنشور ضمن: نحو الأممية النسوية.
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on pocket