«إنَّ رأس المال لا تتأثر حركته من الناحية العملية قليلًا أو كثيرًا بمشهد انحطاط الجنس البشري في المستقبل، ولا بالانقراض النهائي لهذا الجنس، أكثر مما تتأثر باحتمال سقوط الكرة الأرضية على الشمس، ويعرف الجميع في كل عملية من عمليات السمسرة والمضاربة بالأسهم أن الصاعقة ستنقضّ إنْ عاجلًا أو آجلًا، إلا أن كل واحد منهم يمني النفس بسقوطها على رأس جاره، بعد أن يكون هو قد جمع المطر الذهبي، واختزنه في حرزٍ أمين. «وليكن من بعدي الطوفان»، هذا هو شعار كل رأسمالي، وكل أمة رأسمالية» – كارل ماركس
تناقضات الاستعمار الجديد
إذا كنت ذا عقل متصيد للتناقضات، ووجهت عقلك إلى آليات مؤسسات الرأسمالية العالمية ومنتدياتها ومؤتمراتها، ستجد من التناقضات الصارخة أكثر مما يكفي لعقلك وحده! فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، ستجد شركة «ستاربكس» للقهوة تقول لك كمستهلك: «إنك عندما تشتري القهوة فأنت تشتري ما هو أكثر من القهوة، أنت تشتري شيئًا ما من أجل البيئة، ومن أجل مساعدة الأطفال الجياع المشردين، من أجل استعادة الإحساس بالمجتمع»، وفي الوقت نفسه ستكتشف أن مؤسسة «ستاربكس» تستنزف مزارعي البن، وتستغلهم في الدعاية لنفسها، كما تستغلهم في مراكمة الأرباح، عندما تصرح للمستهلك أنها تدفع أجرًا «عادلًا» لهم مقابل عملهم الشاق، ولو كان ذلك صحيحًا، ستتوقف الشركة عن العمل، فأرباح الشركة مؤسسة على عدم دفع الأجر الحقيقي للمزارعين الذي يتناسب مع جهدهم الشاق. وعندما توجه عقلك إلى منتدى «دافوس» الذي أسماه أستاذ الاقتصاد السياسي الراحل محمود عبد الفضيل: «سوق عكاظ العولمة»؛ ستجد تناقضات صارخة بين التصريحات وبعضها من ناحية وبين التصريحات وحقيقة الرأسمالية المعولمة وممارساتها في الواقع من ناحية أخرى. فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد في منتدى دافوس 2019، منتقدةً الفروق غير العادلة في توزيع الثروات في الكوكب: «إن 26 مليارديرًا يملكون نصف الثروة التي يملكها نصف سكان العالم»، وفي الوقت نفسه يجتمع في منتدى دافوس من نخب الطبقات الحاكمة والمحتكرون من رجال الأعمال والمديرين التنفيذيين، وكذلك تُطلَق تلك التصريحات الناقدة للفروق الطبقية الصارخة أمام قوائم الطعام الفاخرة والشامبانيا الباهظة!
وقبل كل ذلك؛ ما وظيفة صندوق النقد الدولي الذي كانت لاجارد مديرته؟ أليس هو وكيل الدائنين من الرأسمالية الاحتكارية؟ أليس هو الذي يقرض الدول الفقيرة في الجنوب بشروط أولها تخارُج الدولة من الاقتصاد ومن دورها الاجتماعي في توفير الأساسيات للمواطنين؟ أوَليس يقترح على الدول بيع أصولها الصناعية والخدمية والريعية لضمان تسديد الديون، بل ولضمان استدامة الاستدانة؛ من أجل استمرار استثمار الفوائض المالية للرأسمالية الاحتكارية؟ كيف يُتَحدّث عن ضرورة انتقال جهات العمل إلى الرقمنة والأتمتة، أي إلى تكثيف رأس المال الرقمي الذي يؤدي بالضرورة إلى تسريح العديد من العمال والموظفين، وفي الوقت نفسه يُنتقَد التوزيع المجحف للثروات في العالم وضرورة تقليص الفروق بين الطبقات بإجراءات «الحماية الاجتماعية»؟ ألا تُعَد تلك ازدواجية؟
وعن «الحماية البيئية»، وتقليل الآثار البيئية الخطيرة على الكوكب، الناجمة عن نمط الإنتاج الرأسمالي الهادف إلى الربح، الذي لا يهدف إلى بيئة سليمة مناخيًا – صُرِّح في منتدى دافوس 2019 بأنه من الممكن التخلص التدريجي من حرق الفحم والانتقال إلى مصادر طاقة بديلة نظيفة، لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ردت بما معناه أن ألمانيا غير مستعدة لتحمل تكلفة إعداد المساحات الأفقية الشاسعة لمصادر الطاقة النظيفة وإعادة التدوير المركبة للمخلفات. وكذلك كان الرئيس السابق للبرازيل جايير بولسونارو حاضرًا في «دافوس» وهو الذي أصدر أمرًا بالاستثمار في قطع الأشجار في غابات الأمازون، وهي أكبر رئة على الأرض تقاوم الاحتباس الحراري. حسب صحيفة «الإندبندنت»؛ بلغ عدد الطائرات النفاثة ذات الوقود الكربوني، التي حملت رؤساء الدول إلى منتدى دافوس، ما يقرب من 1500 طائرة، مما يؤكد عدم جدية تصريحات «الحماية البيئية» في خطاب زعماء الرأسمالية الاحتكارية في منتدى دافوس ومؤتمرات المناخ.
سيجد عقلك المتصيد للتناقضات مادة جديرة بالتأمل عندما يعرف أن نفايات البلاستيك من أكثر المخاطر التي تهدد الكوكب، وأنَّ الرأسمالية العالمية صارت تعقد مؤتمرات لمواجهة المخاطر التي تهدد المناخ، وأن شركة «كوكاكولا» التي تعد من أكبر منتجي نفايات البلاستيك في العالم هي في الوقت نفسه من أكبر الرعاة الرسميين لمؤتمرات المناخ!
يقول المفكر السلوفيني سلافوي جيجك: «إنَّ الرأسمالية في عصرنا هذا تدمج بعدين في كتلة واحدة: البعد الرأسمالي الاستهلاكي والبعد الاجتماعي الأخلاقي. فعندما تشتري شيئًا ما، تشعر، كمناهض للاستهلاك، أنه من واجبك الأخلاقي أن تقدم شيئًا للآخرين، وأن تقوم بشيء ما من أجل البيئة، وأن تقدم خدمات للمجتمع.. كل هذا يتم دمجه في عملية الشراء. فعندما تشتري مثلًا قهوة ستاربكس؛ فأنت تكفر عن ذنوبك الاستهلاكية بفعل شيء ما من أجل البيئة ودعم الأطفال المشردين والجياع، ودعم مزارعي البن، وهكذا..»
قدَّم كتاب «آبار قديمة واستعمار جديد»، تحرير: حمزة حموشان وكايتي ساندويل وتأليف مجموعة من الباحثين من الدول العربية (مصر والمغرب والجزائر وتونس والسودان)، الذي نشرته «دار صفصافة» عام 2022، مثالًا على تناقض الإمبريالية نستطيع أن نكشف به القناع الأخضر للرأسمالية المتأخرة، وإليك المثال: في سبعينيات القرن العشرين، عندما ظهرت تحالفات للنضال من أجل العدالة البيئية في سياق مواجهة الصناعات الملوثة للبيئة، ادعت الشركات أن السياسات الحامية للبيئة تتطلب منها فصل الكثير من العمال. والآن عندما توجهت الرأسمالية إلى مشاريع الطاقة المتجددة، بعدما انتقلت من اللهاث وراء النفط إلى اللهاث وراء الكوبلت والنيكل والليثيوم؛ باتت الرأسمالية، بالاشتراك مع النخب المحلية الحاكمة في الجنوب، تنفذ تلك الاستثمارات تحت شعار توفير فرص عمل ومواجهة البطالة! رغم أنها فرص عمل موقوتة غير دائمة، وقليلة العمالة كثيفة رأس المال.
سؤالان في مركز الكتاب تدور حولهما تساؤلات الباحثين فيه:
ما أثر الأزمة المناخية على دول الجنوب والطبقات الفقيرة فيها؟
وإذا كانت الرأسمالية المتأخرة تعتزم تزعُّم الانتقال من طاقة الوقود الأحفوري الملوثة للبيئة إلى الطاقة النظيفة؛ لتنقذ الكوكب من كارثة محققة كما تزعم، فلمصلحة من يتم هذا الانتقال وعلى حساب من؟
فور قراءة عنوان الكتاب، نجد مقابلة بين جملتيه: فالآبار القديمة هي موارد الدول الجنوبية، التابعة برأسمالية مشوهة لنمط إنتاج رأسمالي متقدم في الشمال، استخدم فيما قبل استراتيجية الاستعمار القديم بالاحتلال المباشر لتلك الدول ومراكمة الثروات من استغلال مواردها، والاستعمار الجديد هو ما استُخدم فيما بعد، ولا يزال يستخدم، لنهب الموارد نفسها لكن دون احتلال عسكري في الغالب. هناك تناقض وصراع إذن بين الآبار القديمة والاستعمار الجديد. لم يعد وجود الاستعمار الإمبريالي في دول الجنوب وجودًا لجيوش عسكرية استعمارية، لكنه وجود لجيوش رأسمالية استثمارية.
وفور قراءة السطور الأولى من مقدمة الكتاب نلمس بداية قوية توضح لنا البنية الحاكمة لمقالات الباحثين في ذلك الكتاب؛ فالكتاب لا يبدأ بتوضيح ما آل إليه حال المناخ، وخاصةً في دول الجنوب العالمي، ومخاطر التغير المناخي على الكوكب بشكل عام، فحسب، بل يوضح أيضًا، من البداية، أثر الأزمة المناخية على الطبقات الفقيرة من مزارعين وصيادين ورعاة في الجنوب بشكل خاص. وبالتالي بدأ الكتاب بإبراز الأزمة المناخية من منظور طبقي، وإبراز التناقض محليًا بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة وبين الطبقات العليا والنخب الحاكمة في الجنوب، ذات المصالح المشتركة – وإن كانت غير متكافئة – مع الاحتكارات الرأسمالية، وكذلك يبرز التناقض عالميًا بين الطبقة العليا في الكوكب (الاحتكارات الشمالية) والطبقة الدنيا في الكوكب (الدول الجنوبية)
كذلك يستند الكتاب إلى البحث العلمي فيما وراء الظواهر المناخية والاقتصادية والسياسية؛ فإذا كان البحث العلمي ينفذ من الظواهر كما تبدو إلى ما وراءها من حقائق؛ فالكتاب لا يهدف إلى النفاذ إلى الأسباب الاقتصادية والسياسية الكامنة وراء الأزمة المناخية فحسب بل يهدف أيضًا إلى الكشف عما وراء الأقنعة الخضراء للإمبريالية التي تزعم الحفاظ على البيئة وتتزعم مبادرة الانتقال إلى الطاقة النظيفة. وكذلك يرتكز الكتاب على نظرية التبعية التي تنطلق من واقع الاحتكارات الرأسمالية في الشمال (أمريكا، أوروبا، اليابان) للتكنولوجيا والمواد الخام والموارد الطبيعية للكوكب والنظام المالي المعولم والاتصالات والمعلومات وأسلحة الدمار الشامل، وهذا الاحتكار يمنع بالضرورة التنمية عن دول الجنوب وبالتالي يؤدي إلى تبعيتها إلى تلك الاحتكارات في الشمال، وإلى تفكك الارتباط بين قطاعاتها الاقتصادية من ناحية وارتباط تلك القطاعات المفككة جميعًا بالاحتكارات الرأسمالية في الشمال من ناحية أخرى.
وأيضًا يرتكز الكتاب على مفهوم التبادل اللا متكافئ الذي طرحته مدرسة التبعية وقد لخصه الباحث والمحرر حمزة حموشان في مقدمة الكتاب في تلك الفقرة: «أثْرَت القوى الاستعمارية على دول شمال إفريقيا أو أجبرتها على القبول ببناء اقتصاداتها بالأساس حول استخراج وتصدير الموارد، التي عادةً ما تُقدَّم رخيصة في صورة خام، اقترانًا باستيراد السلع الصناعية – المُصنَّعة من مواردها الرخيصة أصلًا – عالية القيمة. النتيجة هي نقل واسع النطاق للثروة إلى المراكز الإمبريالية على حساب التنمية المحلية. يؤكد استمرار هذه العلاقات غير المتكافئة وغير المتعادلة حتى اليوم على دول شمال إفريقيا؛ بصفتها جهات مصدِّرة للموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز والسلع الأساسية المعتمدة بشكل مكثف على المياه والأرض، مثل المحاصيل الزراعية النقدية. يفاقم هذا التجذر للنمط الاقتصادي الاستخراجي التصديري من التبعية الغذائية والأزمة الإيكولوجية مع تكريس علاقات هيمنة إمبريالية وتراتبيات استعمارية جديدة». وبما أن الكتاب عن الأزمة المناخية وأزمة الطاقة تحديدًا؛ فقد تمت صياغة مفهوم آخر من مفهوم التبادل اللا متكافئ هو «التبادل البيئي غير المتكافئ»، يلخصه الباحث صقر النور في آخر فصول الكتاب: «في دول شمال إفريقيا يبدو جليًا أن التبادل البيئي غير المتكافئ تاريخيًا يركز على التبادل مع الدول الأوروبية، ويتمثل في تخصيص الموارد المائية والأرضية والمناخية والطاقة وقوة العمل من أجل إنتاج الغذاء لأوروبا، ومن ثم تحميل الدول الأولى التكاليف البيئية وتدمير بيئاتها المحلية واستنزاف مواردها الطبيعية وتوليد فائض من خلال التجارة الدولية للشركات الأوروبية والنخب المحلية. وهذا بدوره له آثار بعيدة المدى على استدامة الموارد والطاقة والأراضي بدول شمال إفريقيا وعلى قدرتها على بناء سياسات للسيادة الغذائية.. يؤدي هذا التبادل البيئي غير المتكافئ إلى استدامة نمط عيش إمبريالي في المراكز الرأسمالية في الوقت الذي يحد فيه من فرص حدوث انتقال عادل في الجنوب».
ما وراء التناقضات
في الفصل الأول من كتاب «آبار قديمة واستعمار جديد»، الخاص بقطاع الطاقة في مصر، سنجد بخصوص دعم الدولة للكهرباء أنَّ الحكومة المصرية قد رفعت، في عام 2019، شعار: «أنا ضد إهدار الدعم» كي يتبناه الشعب المصري، وهو ليس شعارًا نابعًا من الحكومة المصرية بل من البنك الدولي. كيف يطلب البنك الدولي من دولة نامية أن تنظَّم الدعم، وهو الحامل والمنفذ للسياسات النيوليبرالية التي تطالب بإلغاء الدعم والخصخصة بلا حدود؟ إن البنك الدولي ليس ضد إهدار الدعم كما يزعم، بل هو ضد الدعم من الأساس! يقول الباحث المصري محمد جاد في الفصل الأول من الكتاب: «يركز نقد البنك العالمي لمنظومة دعم الكهرباء القديمة على أنَّ الأعلى دخلًا هم بطبيعة الحال الأكثر استعدادًا لاستهلاك الكهرباء؛ فهُم على سبيل المثال يستخدمون أعدادًا كبيرة من المكيفات والأجهزة الكهربائية في المنزل الواحد، وبالتالي فالنسبة الأكبر من دعم الكهرباء تذهب إليهم. تبدو تصورات البنك العالمي منطقية للوهلة الأولى، وتساهم في تغيير الرؤية بشأن ما جرى – أي سياسة الدعم غير المنظم للكهرباء في مصر التي كانت تنتهجها الدولة من قبل – فهي ليست عملية خصخصة للقطاع؛ بل إعادة نظر في هدر للموارد المالية يساهم في مفاقمة العجز المالي للدولة ويعطل عملية تمويل البنية الأساسية للكهرباء. ولكن بالنظر إلى ما جرى على أرض الواقع؛ فإن الصورة ».
وماذا حدث على أرض الواقع؟
يجيب الباحث محمد جاد: «يتميز قطاع الكهرباء عن العديد من أشكال الدعم المعمم الأخرى بأنه يمكن تمييز مستوى دخل المتلقي لهذا الدعم؛ فالفئات عالية الاستهلاك للكهرباء عادةً ما تكون من مستويات الدخل المرتفعة والعكس في حالة الاستهلاك المنخفض. وفي هذا الإطار، كان من الممكن إعفاء الأقل استهلاكًا من الزيادات المتسارعة في فاتورة الكهرباء، باعتباره واحدًا من المنافذ التي نستطيع أن نتيقن عبرها من أن الدعم يذهب لمستحقيه، لكن ذلك لم يحدث.. فبينما يجادل البنك العالمي في أن سياسات الدعم القديمة لتعريفة الكهرباء كانت تساهم في إهدار الموارد، بالنظر إلى أن المستهلكين بشكل أكبر هم من الفئات العليا من الدخل، وأن إنهاء الدعم مع توجيه قدر من الموفورات في صورة إعانات اجتماعية للفئات الأقل دخلًا هو السلوك الأكثر رشادًا؛ فإن الفئات الأقل دخلًا لم تكن بمنأى عن زيادات تعريفة الكهرباء، كما أن عملية التحرير تمت بشكل متسارع ساهم في فرض ضغوط قوية على الطبقة الوسطى».
يدعي البنك الدولي إذن أن سياساته هدفها تنظيم الدعم حتى لا يستفيد منه الفئات الأكثر دخلًا على حساب الفئات الأقل دخلًا؛ فقد ارتدى قناعًا اجتماعيًا يدعو إلى ضرورة عمل الحكومة لصالح الفئات الأقل دخلًا، وهو في الواقع يريد أن تنسحب الدولة من دورها الاجتماعي والاقتصادي وتلغي الدعم بشكل كلي، وليس بشكل جزئي، أي لا يهدف البنك الدولي إلى إلغاء الدعم للفئات غير المستحقة، ولا إلى توجيهه للفئات المستحقة.
وكذلك رَصَد الباحث محمد جاد في الفصل نفسه قناعًا على الصعيد المحلي؛ فإذا كان القناع الذي يرتديه البنك الدولي هو قناع اجتماعي يدعي أنه يدعو إلى تحسين أوضاع الطبقات الدُنيا عن طريق تنظيم الدعم وهو في الأساس يريد إلغاء الدعم وخصخصة كل ما تتحكم فيه الدولة؛ فإن القناع المحلي يرتديه القطاع الخاص المصري، المستفيد من سياسات الخصخصة للبنك الدولي، ويدعي من خلال هذا القناع أنه يعمل لمصلحة الدولة من خلال استحواذه على قطاع الكهرباء، وبالتالي تظن الدولة أن خصخصة قطاع الكهرباء في صالحها وبالتالي يصب في الصالح العام. فعلى سبيل المثال؛ قال أسامة بشاي، رئيس «أوراسكوم كنستراكشن»، أبرز أسماء المقاولين المنفذين لمحطات الكهرباء الجديدة، في حوار صحفي: «لماذا تتحمل (الحكومة) عبء الدين وخدمته بينما يمكن أن يتحملها شخص آخر عنك؟» لكن في الواقع؛ من سيتحمل تسديد الديون هم المستهلكون بدلًا من القطاع الخاص والحكومة معًا؛ وهو ما حدث بالفعل من خلال عملية التوسع السريعة في تحرير تعريفة الكهرباء.
أحد التناقضات المرصودة في الفصل نفسه تبرز لنا أشهر تناقضات الرأسمالية والاستعمار الجديد. فبعدما عانى المصريون من انقطاعات غير مسبوقة في الكهرباء، في فترة 2008-2014، بسبب نقص التمويل المتاح للدولة لتحديث وتوسيع شبكة الكهرباء، المُحتكرة من الدولة مع هامش للقطاع الخاص، حدثت توسعات هائلة في شبكة الكهرباء في عام 2015، بعد كسر احتكار الدولة للكهرباء وتحرير القطاع، وتحول الدور الهامشي للقطاع الخاص إلى دور رئيس، بل ورأى بعض المراقبين أن التوسعات الأخيرة في قطاع الكهرباء كان مُبالغًا فيها؛ فقد ازدادت بوتيرة أكثر تسارعًا من الطلب على الطاقة، ما أدى إلى ما أسماه الباحث في مجال الطاقة محمد يونس «عبء فائض الكهرباء». أي أنه بعدما كان العرض أقل من الطلب أصبح العرض أكبر من الطلب وليس مواكبًا له، وكأن العرض أصبح سابقًا على الطلب، بل صار مطلوبًا لذاته، ورغم ذلك تزايدت أسعار الكهرباء على المواطنين.
لإلقاء المزيد من الضوء ننتقل إلى الفصل الثاني الذي كتبه الباحث جواد مستقبل بشأن قطاع الطاقة في المغرب؛ يقول الباحث: «إن عقود شراء القطاع الخاص للطاقة من الدولة تجبر المكتب الوطني للكهرباء على شراء الطاقة من الفاعلين الخواص حسب توافرها وبأسعار تفوق سعر البيع للتوزيع والاستهلاك» وكذلك يقول: «كل مشاريع إنتاج الكهرباء الحديثة حتى تلك المسماة «خضراء» يجري تمويلها من البنوك الدولية الخاصة وبنوك متعددة الأطراف وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الإفريقي ووكالات التنمية الفرنسية والألمانية».
ولتوضيح الصورة أكثر ننتقل إلى الفصل الثالث الخاص بقطاع الطاقة في تونس الذي كتبه الباحثان شفيق بن روين وفلافي روش، وقد قالا: «يحتاج البلد الجنوبي إلى الاقتراض أكثر لاستيراد التكنولوجيا والإنتاج المعرفي من الشمال من أجل الانتقال إلى الطاقة المتجددة»، وكذلك «تميل الشركات الخاصة إلى إعطاء الأولوية لأرباحها في المقام الأول بموجب العقود التي تبرمها مع الدولة لتحمل تكلفة ديون الطاقة، وغالبًا ما يُتغاضى عن هذا الجانب من المصالح المتباينة، ولطالما أدت هذه الشركات إلى زيادة الأسعار، إلى جانب انتهاك حقوق العمال، وتدهور جودة الخدمة، والفشل في تنفيذ استراتيجية مناخية طموحة»؛ إذ «تتضمن المعاهدة الأوروبية مع تونس أحكامًا بشأن الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة، بما في ذلك ما يتعلق بتسوية النزاعات بين المستثمرين والدولة. تمنح هذه الأداة للشركات القدرة على مقاضاة الحكومات عندما تعتبر أن سياسات الدولة ضارة بأرباحها، حتى لو كانت تلك السياسات تهدف إلى تعزيز الانتقال الطاقي أو الحقوق الاجتماعية التي تصب في المصلحة العامة»، يقول الباحث المغربي جواد مستقبل بشأن العلاقة غير المتكافئة مع المستثمرين الخواص والأجانب والدول الجنوبية إن دفع الدولة لتلك الشركات، التي تنفذ مشروعات الطاقة عندها، مضمون، حتى لو كان الإنتاج غير ضروري، يفوق الطلب والحاجة، وبالتالي غير مستعمل، ما يهدم فكرة المنافسة الشفافة في السوق وفكرة اعتماده على العرض والطلب كمقياس أوحد لتوافر السلعة وتسعيرها؛ فاعتماد نمط الإنتاج الرأسمالي على القيمة التبادلية وليست الانتفاعية، وارتكازه على علاقات القوة والاحتكار والاستعمار، ونهمه للتوسع وعبور القارات؛ كل ذلك أدى إلى توافر سلعة كالكهرباء لدرجة تجاوزها للطلب وفي الوقت نفسه تتزايد أسعارها رغم عدم ندرتها، بل وتنقطع الكهرباء رغم وجود فائض؛ فقد ذكر الباحث جواد مستقبل بخصوص المغرب أنه «في حال انخفاض الطلب على الكهرباء يقوم المكتب الوطني للكهرباء المُكره على استهلاك الطاقة التي ينتجها الخواص بوقف عمل محطاته لتفادي انقطاع الكهرباء» وكأن الوفرة أصبحت عبئًا تحت سلطة الاستعمار الجديد!
نستنتج إذن أن الإمبريالية لا تتدخل لإصلاح أوضاع الطاقة في بلدان الجنوب؛ لكنها تدير فوائضها المالية بمنح قروض لتلك الدول لتمويل مشروعات الطاقة، وتدير فوائضها الصناعية بتصدير التكنولوجيا المتقدمة التي تسمح بالانتقال إلى الطاقة المتجددة والخضراء، وذلك بعدما تنهب الموارد والمواد الخام المُستخدمة في تصنيع تلك التكنولوجيا المتقدمة التي يحتكرونها، من دول الجنوب ذاتها! نفهم إذن أن الإمبريالية لا تقود العالم نحو الانتقال إلى الطاقة الخضراء النظيفة من أجل إنقاذ المناخ؛ بل هي تجدد نفسها، وتوسع استغلالها لشعوب الجنوب.
وعلى الرغم من أن الأوضاع المناخية في دول الجنوب أسوأ منها في دول الشمال إلا أن نسبة انبعاثات غازات الدفيئة، الملوثة للبيئة، في دول الشمال أكبر منها في دول الجنوب. تستغل الإمبريالية ذلك بتصدير مشروعات الطاقة النظيفة لدول الجنوب، ليس للحد من الكوارث البيئية في دول الجنوب؛ لكن لمزيد من استغلالها، لمزيد من تراكم الثروات في الشمال.
إذا نظرت إلى ما وراء تصريحات الرأسمالية العالمية بشأن ضرورة معالجة أزمة المناخ؛ ستستخلص أن العلاج الذي تقترحه الرأسمالية جزء لا يتجزأ من المرض؛ فهو لا يشفي المرض لكن يطيله فقط، وستكتشف أن العلاج طالما كان نابعًا من الرأسمالية ومؤيدًا لها فهو ليس مؤبدًا لها فحسب؛ بل هو يؤبد أمراضها الخطيرة التي يروم معالجتها أيضًا.
الاستغلال المتوازي
كما كانت تستغل الرأسمالية الصناعية الكلاسيكية الطبقة العاملة وتحصل منهم على فائض القيمة مقابل إعطائهم أجر الكفاف الذي يكفي بالكاد لتجديد إنتاج طبقتهم من أجل استمرار عجلة الاستغلال الرأسمالي، وكما صارت رأسمالية الاحتكارات، في الشمال، المعممة المعولمة – بتعبير سمير أمين – تستغل الطبقة العاملة والوسطى في الجنوب؛ لتستخدم العائد من استغلال الدول الجنوبية في عمل إصلاحات للطبقة العاملة والمتوسطة في الشمال تُحجم حدة الصراع الطبقي هناك، وكما غدت الرأسمالية المتأخرة النيوليبرالية المعولمة تستغل الطبقة العاملة، خاصة في الجنوب، لتحصل منهم على فائض قيمة متضاعف، متضخم، مقابل أجر متضائل، أقل من الكفاف، لا يكفي حتى لتجديد إنتاج طبقتهم؛ من أجل استقرار الأوضاع الاقتصادية للرأسمالية الاحتكارية وتقليص الفجوات بين الطبقات في الشمال – أمست الرأسمالية الاحتكارية الشمالية تستغل، على التوازي، الدول الجنوبية من أجل استقرار الأوضاع البيئية في دول الشمال الرأسمالية؛ فكما أن الأوضاع الاقتصادية للطبقة العاملة في دول الجنوب أسوأ منها في دول الشمال؛ كذلك الأوضاع البيئية في دول الجنوب أسوأ منها في دول الشمال، والأوضاع البيئية غير منفصلة عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية. ويوضح الباحث حمزة حموشان والباحثة كايتي ساندويل ذلك في الكتاب: «بدأت تظهر أعراض الانهيار المناخي في شمال إفريقيا والدول العربية في صورة تقويض الأسس الإيكولوجية والاجتماعية – الاقتصادية للحياة. تعاني دول مثل الجزائر وتونس والمغرب ومصر من موجات حر متكررة وحادة، وفترات جفاف مطولة، والتي لها آثار كارثية على الزراعة وصغار المزارعين. في صيف 2021 واجهت الجزائر حرائق للغابات غير مسبوقة ومدمرة، وتعرضت تونس لموجة حر خانقة؛ حيث وصلت درجة الحرارة على ما يناهز الـ 50 درجة مئوية، وعانى جنوب المغرب من جفاف مروع للموسم الثالث على التوالي، وفي جنوب مصر فقد 1100 شخص منازلهم إثر الفيضانات، وأُصيب المئات بسبب لدغات العقارب التي خرجت كرهًا من الأرض بسبب الظروف المناخية المتطرفة. وفي الأعوام المقبلة، تُقدّر هيئة المناخ أن منطقة حوض المتوسط ستتعرض لاشتداد الأحداث المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات والفيضانات، مع زيادة في معدلات القحولة والجفاف».
من أكثر المتضررين من تلك الكوارث المناخية؟ يجيب الباحثان:
آثار هذه التغيرات تقع بقدر غير متناسب على المهمشين في المجتمع، لا سيما صغار المزارعين والمشتغلين بالرعي والعمال الزراعيون والصيادون. بدأ الناس بالفعل يشعرون بالاضطرار إلى ترك أراضيهم بسبب موجات الجفاف والعواصف الشتوية الأقوى والأكثر تواترًا، وتوغُّل ظاهرة زحف الرمال وارتفاع مستوى سطح البحر. تعاني المحاصيل الزراعية من التلف، وتقل مصادر المياه تدريجيًا؛ فيشتد تأثيرها على الإنتاج الغذائي في منطقة تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية. سوف تطرأ ضغوطات هائلة على إمدادات المياه النادرة بسبب التغيرات في أنساق تساقط الأمطار وتوغل مياه البحر في فرشات المياه الجوفية، فضلًا عن الإفراط القائم في استخدام تلك الموارد. بحسب مقال نُشر في دورية (لانسيت) فسوف يُعرّض هذا أغلب الدول العربية لمستوى فقر مائي مطلق بواقع 500 متر مكعب للفرد سنويًا بحلول عام 2050.
وما وضع دول الجنوب والطبقات الفقيرة والمهمشة فيها لو استمر الوضع على ما هو عليه؟
«يتنبأ علماء المناخ بأن المناخ، في قطاعات واسعة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قد يتغير بشكل يهدد قدرة بقاء السكان على قيد الحياة نفسها. في شمال إفريقيا على سبيل المثال، ستشمل الفئات التي ستتغير حياتها بأكبر قدر: صغار المزارعين في دلتا النيل والمناطق الريفية في كل من المغرب وتونس، والصيادين في «جربا» و«قرفنة» بتونس وسكان عين صالح في الجزائر، واللاجئين الصحراويين في مخيمات «تندوف» بالجزائر، والملايين ممن يعيشون في الأحياء العشوائية في هوامش القاهرة والخرطوم وتونس العاصمة والدار البيضاء». تتسبب الرأسمالية الاحتكارية الشمالية في تخريب الأوضاع الاقتصادية والأوضاع البيئية داخل بلدان الجنوب في آن، ولا تتسبب في تدهور الأوضاع البيئية داخل بلدان الجنوب كنتيجة لانبعاثات غازات الدفيئة من مصانعها في الشمال فحسب؛ بل كنتيجة لتصديرها لرؤوس الأموال الصناعية الملوثة إلى بلدان الجنوب أيضًا، والأكثر من هذا؛ تستخدم الإمبريالية بلدان الجنوب كمصارف للتخلص من مخلفات صناعاتها. ولنا في إفريقيا خير مثال: ففي تسعينيات القرن الماضي تسببت شركة «شل» الأمريكية في تدهور بيئي للأرض والمياه في نيجيريا؛ فقد عانى الشعب النيجيري من أمراض مميتة وتلوث للمياه والقضاء على الثروة السمكية جراء التخلص العشوائي من المخلفات النفطية لشركة «شل» هناك. وقد قاد المناضل البيئي النيجيري كين سارو-ويوا حملة سلمية ضد التدهور البيئي في «أوغوني لاند»، أثارت الحملة ضجة إعلامية قوية بالقارة الإفريقية اعتُقل على أثرها وحُكِم عليه بالإعدام هو وثمانية من رفاقه عام 1995 وتمت تصفية 2000 متظاهر مات نصفهم في السجون تحت التعذيب. هناك اتهام صريح لشركة «شل» بالتواطؤ مع النظام النيجيري لإعدام كين سارو-ويوا ورفاقه الثمانية وتصفية المتظاهرين. وللمفارقة تزامنت ذكرى إعدام كين سارو-ويوا مع فعاليات قمة المناخ (COP 27) في 10 نوفمبر 2022.
لا تستغل الإمبريالية إذن دول الجنوب من أجل استخراج ربح تُراكم به ثروات تسمح لها بتحجيم الصراع الطبقي في الشمال بعمل إصلاحات اقتصادية توفر لها استقرارًا اجتماعيًا نسبيًا فحسب؛ بل – وهو الأخطر – تستغل دول الجنوب لتحجيم، أو تأخير، الكوارث البيئية في الشمال في الوقت نفسه؛ وذلك باستعمال دول الجنوب كمصارف لمخلفات الشركات الاحتكارية عابرة القارات، وبتصدير رؤوس الأموال الصناعية الأكثر تلوثًا لها – مما يفاقم الكوارث البيئية في الجنوب – وباحتكار التكنولوجيا التي تُمكّن من الانتقال إلى الطاقة النظيفة ومنع تصديرها؛ فمن ضمن العقبات التي تواجه دول شمال إفريقيا والدول العربية والجنوب عمومًا ما ذكرَ في الفصل الخاص بتونس في الكتاب موضوع المقال، فقد ذكر الباحث شفيق بن روين والباحثة فلافي روش أن تنفيذ مشروعات الطاقة النظيفة الخضراء «سيسرع مسار تبعية تونس، وسيتجسد ذلك من خلال تعميق المديونية الخارجية لتونس من أجل تمويل هذه التكنولوجيا المستوردة التي تخضع لشروط الاحتكار وحقوق الملكية الفكرية» حيث إنه «يجب استيراد المعدات والتقنيات الوسيطة التي لا تُنتَج محليًا ، مما يؤدي إلى التبعية نحو المزودين الأجانب». وفي الفصل الخاص بالجزائر قالت الباحثة إيمان بو خاتم: «أحد أصعب جوانب أي انتقال طاقي في الجنوب العالمي هو السيطرة على التكنولوجيا (نقل التكنولوجيا) والتصنيع» حيث إن «الجزائر تحتاج إلى عمليات نقل التكنولوجيا والخبرة الإدارية من الدول المتقدمة. يجب أن يهدف هذا التعاون إلى بناء القدرات البشرية والمادية للجزائر. وهو ما سيتطلب التغلب على الحدود التكنولوجية الاحتكارية الحالية ونظام الملكية الفكرية الذي تفرضه اتفاقيات التجارة الحرة والمؤسسات المالية الدولية». ومن الحديث عن الانتقال إلى الطاقة النظيفة الخضراء ننتقل إلى النقطة التالية.
قناعان متجاوران
إذا نظرنا إلى ظاهر تصريحات الرأسمالية الأخيرة سنجدها تتحدث عن (ضرورة الحماية البيئية) وضرورة الانتقال إلى الطاقة النظيفة، اخضرَّ الاستعمار إذن وتجدد وغدت الإمبريالية تروم الطاقة النظيفة. تتوازى تلك التصريحات مع تصريحات أخرى من الرأسمالية عن (ضرورة الحماية الاجتماعية) وانتقال أحوال الطبقات الفقيرة إلى الأفضل، لكن، على قول ماركس: «لو كان شكل تجلي ظاهرات الأشياء يتطابق مباشرةً مع ماهية هذه الأشياء؛ لما كانت هناك حاجة لأي علم».
1. قناع الإصلاح الاجتماعي
انتشرت فكرة في القرن الماضي على نطاق واسع مفادها: أنَّ الرأسمالية تتعرض لتحول ديمقراطي يكاد يقترب من تصفيتها لنفسها والالتقاء مع الاشتراكية على مدى واسع – يُشدَّد دائمًا عند نشر هذه الفكرة على نموذج الدول الإسكندنافية – بدلًا من تحليل تناقضات الرأسمالية التي لا يمكن لأي مقدار من الدعاية أن يخفيها؛ فهناك التحسُّر على سيطرة الآلة على الإنسان واللا إنسانية المذهلة لحضارة الآلة، التي يدَّعون أنها سواء في الشرق والغرب. ويُعامَل النهم والشر والفساد الذي ابتُلي به المجتمع الذي يقوم على الملكية الخاصة – كشرور كونية نشأت عما يسمونه «الشر المتأصل في الإنسان». وبدلًا من الحديث عن الانتقال لنمط إنتاج آخر أكثر عدالة وإنسانية؛ تجدد الرأسمالية نفسها وتتمثل العقبات التي تواجهها، كما يتمثل الجسم الغذاء ويحوله إلى دماء تضاف إلى دمائه، بارتداء قناع إصلاحي يحاول تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمهمشة، لا تقوم الرأسمالية بعملية التماثل هذه لحل تناقضاتها الداخلية فحسب؛ بل لاستيعاب ما يتناقض معها من الخارج وهو الأهم، لاستيعاب، واستبعاد، التناقض بينها وبين نمط الإنتاج الاشتراكي غير المعتمد على الملكية الخاصة. ولا يتم هذا إلا بشكل غير علمي؛ عن طريق عزل الفقر عن سياقه المحيط، أي علاقات الإنتاج الرأسمالية، والتعامل معه ضمن سياق آخر زائف يستند إلى تحليلات طبيعية وجينية ودينية ومالتوسية وما إلى ذلك.
والأكثر من ذلك؛ لا تعد تلك النيات الخيرة للرأسماليين لتحسين أحوال الفقراء، التي تتجسد في مؤسسات العمل الخيري، منافذ للتهرب الضريبي ومصادر أخرى للتربح والتوسع الرأسمالي فحسب؛ بل هي أيضًا مؤسسات لاستدامة فقر الشعوب واستدامة استدانة الحكومات، يقول سلافوي جيجك في هذا الشأن: «إن أسوأ مالكي العبيد هم أولئك الذين كانوا لطفاء مع عبيدهم، إن الرأسمالية تصلح بيدها اليمنى ما تفسده بيدها اليسرى.. من غير الأخلاقي استخدام الملكية الخاصة من أجل التخفيف من شرور الملكية الخاصة». يتبدى هذا القناع في تصريحات البنك الدولي المذكورة في كتاب «آبار قديمة واستعمار جديد»؛ فكما ذكرنا أعلاه أن البنك الدولي عندما انتقد سياسة الدعم في مصر ارتدى قناعًا اجتماعيًا رافضًا لإهدار الدعم وجَعْل الأغنياء يستفيدون منه على حساب الطبقات الفقيرة؛ لكن ما وراء القناع هو استهداف البنك الدولي لتخارج الدولة من أي دور اجتماعي أو اقتصادي، وبالتالي إلغاء الدعم بشكل كلي. وكذلك تتبرقع الرأسمالية بقناع الإصلاح الاجتماعي وقناع الإصلاح البيئي في الوقت نفسه عندما تبرر لتوسع مشروعاتها في الجنوب بأنها توفر فرص عمل عديدة، والجميع يعلم أن «غالبية تلك الوظائف ليست طويلة الأمد، لأن معظمها مطلوب فقط لمرحلة البناء وبدء تشغيل المشاريع التي تستغرق بضعة أعوام فقط، بينما تتطلب صيانة المشاريع عددًا قليلًا من العمال، لذلك قد لا تكون مشاريع الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح على نطاق واسع هي الأنسب لتوفير العديد من مواطن الشغل طويلة الأجل» كما ذكر الباحثان فلافي روش وشفيق بن روين في الفصل الخاص بتونس.
2. قناع الإصلاح البيئي
على التوازي انتشرت فكرة مفادها أن الرأسمالية أدركت مخاطر اعتمادها على مصادر الطاقة الملوثة للبيئة وأنها تخطو خطوات جادة لـ «الانتقال الطاقي» باستبدال مصادر الطاقة النظيفة بالوقود الأحفوري والاستثمار في هذا المجال. وكما تعزل الرأسمالية ظاهرة الفقر عن السياق الاقتصادي السياسي، أي عن نمط الإنتاج الرأسمالي، وتتعامل مع الفقر بمنطق خيري إصلاحي بعد تبرؤها منه؛ كذلك تعزل ظاهرة التغير المناخي وتتعامل مع الكوارث البيئية بالمنطق الإصلاحي نفسه، والأكثر من ذلك أنها تستخدم شعار الطاقة النظيفة للتوسع الرأسمالي ومراكمة الأرباح، يكشف «آبار قديمة واستعمار جديد» القناع الأخضر للرأسمالية، إذ اكتشفت الباحثة الأنثروبولوجية كارين ريجنال في الكتاب موضوع المقال أن جهود الانتقال الطاقي العالمية والمحلية، في المغرب تحديدًا، لا تتحدى علاقات التبعية والاعتمادية التي تضرب بجذورها في العهد الاستعماري، بل ترسخها؛ «فالضغوط الجيوسياسية نحو الانتقال الطاقي في أوروبا لا تقتصر على الوفاء بتقليل الانبعاثات الكربونية، بل هي تخدم أيضًا مصالح مالية تركز على تنويع الباقات الاستثمارية واستخدام المتجددات كمصادر جديدة لتراكم رأس المال». لا يوجد إذن تناقض أو صراع بين الطاقة النظيفة الخضراء والطاقة الأحفورية الاستخراجية؛ بل اكتشفت الباحثة نفسها أن الكثير من الجهات المنتجة للوقود الأحفوري هي في الوقت نفسه قائدة ورائدة بمجال الطاقة المتجددة! لكن هل علينا أن نرصد يقظة ضمير حلت بتلك الجهات؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتأمل هذا المثال:
في ظل انعكاسات التغير المناخي الآخذة في الازدياد، والآثار المدمرة لاضطرابات سوق الوقود الأحفوري، بعد نشوب حرب روسيا وأوكرانيا، على قطاعات الغذاء والزراعة والصناعة؛ أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة عدة تصريحات تدعم حظر بيع السيارات التي تستخدم البنزين أو الديزل من أجل التحول العالمي لصناعة السيارات التي تستخدم البطاريات الكهربائية. في اعتقادهم، هذه الخطوة ستُنجز الثورة الخضراء في العالم مستقبلًا وتحل مشكلات المناخ. لكن ما لم تذكره هذه النخب الحاكمة الغربية ويصرون على تجاهله: أنّه لا يمكن للعالم أن يجد حلولًا لأزمة المناخ في وجود الشركات الرأسمالية العالمية الكبرى التي تتسبب في معظم انبعاثات غازات الدفيئة، وأنَّ مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة لن تصبح رخيصة في المدى المنظور، وبالتالي لن تُستخدَم على نطاق واسع، وستظل البشرية تعاني التلوث وتغير المناخ وآثاره الكارثية؛ ما دام الربح هو المحرك الأساسي للاقتصاد العالمي لا مصلحة الإنسان، وأن عملية تعدين الكميات الهائلة من المعادن التي تدخل في صناعة البطاريات السيارات الكهربائية (الليثيوم والنيكل والكوبلت والمنجنيز والبلاديوم) وتنقيتها – تُعتبَر المثال الأبرز لاستغلال الموارد من القارة الإفريقية، وبالأخص في الكونغو الديمقراطية.
على الرغم من خضوع صناعة التعدين في الكونغو إلى التدقيق، على خلفية انتهاكات حقوقية ارتبطت بعمالة الأطفال واستغلال الموارد بشكل غير شرعي؛ إلا أن شركات التعدين متعددة الجنسيات تباشر عملها بكل حرية، لأن السياسات الكونغولية فاسدة للغاية ومبهمة في أحسن الأحوال، ومعظم القضايا التي تُرفع ضدها في المحاكم الدولية تأخذ سنوات. إن الثورة الخضراء تتعطش بشدة لموارد الجنوب العالمي، من أجل ثراء الدول الاحتكارية؛ بينما تترك آثار التدهور البيئي وانتهاكات حقوق الإنسان والتخلف الاقتصادي شبه الدائم في الدول الجنوبية مثل الكونغو. وهذا ما ذكره تحديدًا الباحث ومحرر الكتاب حمزة حموشان في الفصل السابع من الكتاب، إذ قال:
يقوم الانتقال العالمي واللا متكافئ نحو الطاقات المتجددة، الجاري حاليًا بصورة رئيسة في بلدان الشمال، على استخراج مستمر لمعادن أساسية ونادرة (من قبيل: الكوبالت، الليثيوم، النحاس، والنيكل.. إلخ) بقصد صنع الألواح الشمسية ومولدات الطاقة الريحية وطاحونات الهواء والبطاريات الكهربائية. ما مصدر هذه الموارد؟ إنها جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوليفيا، وتشيلي، والمغرب (على سبيل المثال لا الحصر)، حيث سيحتد تدمير البيئة واستغلال العمال. نستنتج من ذلك أننا نواجه النظام الاستعماري ذاته، لكن مع مصدر طاقة مغاير؛ نقلونا من المحروقات الأحفورية إلى الطاقة الخضراء، فيما يجري الحفاظ على نفس نماذج الإنتاج والاستهلاك شديدة الكثافة الطاقوية، وتبقى بلا تغيير نفس البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المولدة للتفاوت والإفقار ونزع الملكية.
هذا على الصعيد العالمي.
أما على الصعيد المحلي تقول الباحثة إيمان بو خاتم: «كان الدافع وراء تطوير الطاقة الخضراء حتى الآن هو الرغبة في الحفاظ على النظام الريعي الحالي (في الجزائر) من خلال استبدال عائدات من صادرات الطاقة الجديدة بالوقود الأحفوري». وفقًا لنظرية التبعية، التي هي أحد مرتكزات كتاب «آبار قديمة واستعمار جديد»، فإن العالَم مكون من مراكز رأسمالية متقدمة في الشمال، وأطراف تابعة لها في الجنوب، وحالة التغيير السائدة في الشمال هي الحالة الإصلاحية، وحالة التغيير المُفترض حدوثها في الجنوب هي الحالة الثورية الجذرية؛ ذلك أن بلدان الجنوب لم تنجز تطورها الرأسمالي لأنها لم تعد تستطيع اللحاق بالمراكز الرأسمالية الاحتكارية في الشمال، تجاوز الرأسمالية إذن في بلدان جنوبية لم تكتمل رأسماليتها أيسر من تجاوزها في بلدان شمالية اكتملت رأسماليتها، وبما أن الطبقة المُستغلَّة هي البروليتاريا، وهي المنوط بها إحداث تغيير داخل البلد الواحد؛ فإن بلدان الجنوب هي المنوط بها إحداث تغيير في العالم من حيث هي البلدان المُستغلَّة. السؤال الآن: إذا كان التغيير العالمي المنشود – وفقاُ لنظرية التبعية – مرتقب من أضعف حلقات الرأسمالية، من دول الجنوب، تلك الدول التابعة التي تعاني الأزمات الاقتصادية أكثر من الدول المتبوعة؛ فهل الأزمات المناخية التي تعاني منها تلك الدول، بشكل أكبر من الدول المتبوعة أيضًا، تلك الدول المتسببة في الأزمات الاقتصادية والبيئية للطبقات الوسطى والعاملة في العالم وفي الدول التابعة بشكل أكبر – هل تلك الأزمات البيئية ستزيد من احتمال حدوث تغيير جذري اقتصادي، وبالتالي تغيير مناخي في العالم، تكون شرارته الجنوب؟
ما العمل؟
تتلخص رؤى الباحثين بشأن حلول الأزمة البيئية في مق شمال إفريقيا ودول الجنوب في مقولة «الانتقال العادل» وتشتمل تلك المقولة على تلك الحلول:
- ترك الوقود الأحفوري في باطن الأرض والانتقال لطاقات متجددة.
- تسديد الديون المناخية لدول الجنوب العالمي من قِبل الشمال الأكثر ثراءً.
- تعزيز المشاريع المتوسطة والصغيرة للطاقة المتجددة على مستوى المنازل والمجتمعات المحلية بدلًا من المشاريع الكبيرة البيروقراطية للدولة مع التشديد على أهمية دور الدولة وقطاعها العام كمدير ومراقب ومشرع وممول.
- أهمية المشاركة النشطة للعمال والنقابات العمالية في الانتقال العادل.
- التخلص من النظام الاقتصادي الريعي ومن التبعية للرأسمالية الاحتكارية والانتقال إلى إقامة شراكات مربحة للجانبين مع دول في الجنوب العالمي مثل الصين.
وقد شدد الباحثون أن كل ذلك لن يتم إلا بالانتقال من النظام المالي الحالي القائم على الربح إلى نظام أكثر عدالة يراعي الأبعاد الأخرى.
ملاحظات نقدية
«من السهل جدًا أن نتعاطف مع المعاناة من أن نتعاطف مع الفكر» – أوسكار وايلد
اكتفت بعض المقترحات والحلول – بخلاف المقترحات المذكورة في الفقرة السابقة – التي قدمها الباحثون في الكتاب؛ بالحديث عن الديمقراطية فقط ورفض الديكتاتورية باعتبارها سبب رئيس للأزمة الاقتصادية والمناخية. وإذا كان مفهوم «الانتقال العادل» مفهومًا غير جامع ولا مانع كما هو مذكور في مقدمة الكتاب؛ فالأولى بهذا الوصف هو مفهوم «الديمقراطية»، الذي تستخدمه الرأسمالية لتمرير مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، كما أن الأزمة ناتجة عن الرأسمالية، وبالتالي لا بد من الانتقال إلى نمط إنتاج آخر، وهذا الانتقال يخص الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وكذلك الديمقراطية لها جانب سياسي واقتصادي واجتماعي، لكن رغم ذلك وجدنا تركيزًا على الجانب السياسي للديمقراطية أكثر من غيره، رغم بعض الإشارات إلى «الدمقرطة»، أي: التطبيق الاجتماعي للديمقراطية. عندما ينتقل مفهوم الديمقراطية إلى الاقتصاد لا تكون له ترجمة إلا في الاشتراكية، فإذا كانت الديمقراطية هي ملكية الشعب لمقاليد الحكم، فالاشتراكية هي ملكية الشعب العامل لوسائل الإنتاج، لكننا لم نجد أي ذكر للاشتراكية في الكتاب.
بالطبع نثمن هذا المجهود للباحثين في رؤية الأزمة المناخية بشكل بنيوي مترابط مع أزمات تتعداها، وبالتالي الحلول تتعداها أيضًا ومترابطة مع أزمات أخرى اقتصادية وسياسية. لكننا لم نقرأ مثلًا أن الانتقال العادل مسألة اشتراكية! إن الأزمة المناخية، في ضوء الاقتصاد السياسي، هي ناتجة أساسًا عن نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يعتمد القيمة التبادلية التي لا تهدف إلا للربح ولو على حساب الإنسان والأرض، وحل تناقضات هذا النمط يكون بالانتقال إلى نمط الإنتاج الاشتراكي الذي يعتمد القيمة الانتفاعية التي لا تهدف إلى الربح في ذاته كأولوية. ورغم أن الكتاب استخدم البحث العلمي بدرجةٍ ما في تحليل الأزمة إلا أنه طرح حلولًا أخلاقية للأزمة، فكلمة الانتقال العادل تحتم وجود انتقال آخر ظالم، والعدل والظلم مفاهيم أخلاقية. وعندما تُقحَم الأخلاق في السياسة تظهر الصوابية السياسية وهي بديل مطروح من الرأسمالية وليس في تناقض معها كمشاريع الطاقة الخضراء التي تبادر بها الرأسمالية، ربما وجدنا إقحامًا في الكتاب للأخلاق في الاقتصاد أنتج صوابية اقتصادية؛ فرأينا نقدًا لمفهوم «الأمن الغذائي» لأن كلمة «الأمن» مرتبطة بالسلطات القمعية! فالصوابية مشغولة عمومًا بتصويب المصطلحات بشكل أساسي، في حين أن مفهوم الأمن الغذائي قد استخدمته الباحثة إيمان بو خاتم في الفصل الرابع من الكتاب عندما قالت: «تعاني الجزائر من ندرة حادة في المياه؛ مما يهدد الأمن الغذائي في البلاد» فهل للمصطلح مدلول قمعي في هذا السياق؟ ربما علينا أن نرفض مفهوم الأمن الغذائي من موقع آخر، من حيث هو بديل تستخدمه الرأسمالية لمفهوم الاكتفاء الغذائي الذي تهدف إليه الاشتراكية. علينا ألا نتعاطف مع المعاناة فحسب بل نجد حلولًا علمية لها وهو الأهم، ولا نكتفي بالتنديد الأخلاقي أو إقحامه في رؤيتنا السياسية والاقتصادية في تحليل الأزمة والخروج منها.
رغم أن الكتاب يتناول الوضع في دول الجنوب تحديدًا، ورغم أنه مرتكز على نظرية التبعية والتبادل غير المتكافئ بين الشمال والجنوب؛ إلا أننا لم نقرأ في الكتاب عن مشروع لتحالف جديد لدول الجنوب العالمي مثلما تحدث الراحل سمير أمين عن مشروع «باندونج 2» رغم أن كتابات سمير أمين ضمن المراجع التي استند إليها الكتاب.
تُعتبر الأزمة البيئية الحالية هي الأزمة القصوى لنمط الإنتاج الرأسمالي، ذروة الاستغلال المتوازي للبشر والأرض؛ بما أنها لا تهدد تجديد إنتاج أهم قوى الإنتاج: الطبقة العاملة، فحسب، بل تهدد حياة البشر على الكوكب وهو الأخطر. لا يتطلب إذن الخروج من تلك الأزمة أقل من الخروج من الرأسمالية، والتحول إلى نمط إنتاج بديل لا يقوم على القيمة التبادلية التي لا تهدف إلا للربح بل يقوم على القيمة الانتفاعية التي ترتكز على الإنتاج والتطور الاجتماعي ونفع البشر في المقام الأول، نمط إنتاج يقوم على علاقة مع الطبيعة تختلف عن علاقة نمط الإنتاج الرأسمالي الاستغلالية معها. ماذا نطلق على هذا النمط؟ ربما نسينا كلمة الاشتراكية، فلم نقرأ في الكتاب تلك الكلمة على الإطلاق، رغم أنها الحل الضروري لكل ما ذكره الباحثون في الكتاب من تناقضات الرأسمالية الاحتكارية والاستعمار الجديد. لا نقول إننا يجب أن ننتقل للاشتراكية في الغد القريب العاجل، بل علينا أن ننصبها هدفًا أمام أعيننا ولو في الغد البعيد الآجل، وأن نجعل هذا الهدف المستقبلي محركًا لنا في الحاضر، مغذيًا لنضالنا ضد الاستعمار الجديد المدمر للأرض والإنسان، حتى ولو كنا لا نطمع إلا في إصلاحات بسيطة في المستقبل القريب علينا أن نطمح إلى تغييرات جذرية في المستقبل البعيد.