صندوق الأحلام الجميلة (2006)

عندما يحدّثنا أجدادنا عن آلهتنا الاولى، أي عن الآلهة التي خلقت عالمنا، يقولون لنا إنها خلقته بما يقارب التوافق التام شبه فيما بينها، وقصدهم هو أنّ كلّ شيء كان أقرب للمساواة: لا أعلى ولا أدنى، لا استملاك للأرض، ولا حتى الورق والمال لتقسيمها واتلافها. ويحدّثنا أجدادنا عن الرجال والنساء الأوائل الذين صنعتهم تلك الآلهة، ويقولون لنا إنّهم صُنِعوا من نبات الذّرة، سببُ قَداسِة هذه النبتة في هذه البلاد،1الإشارة هنا إلى كتاب البوبول فوه (Popol Vuh)، من آخر ما تبقّى من مكتوب لحضارة المايا قبل غزوها من قبل الأسبان في القرن السادس عشر، حيث أمرت الكنيسة الكاثوليكيّة الغزاة الأسبان بحرق كل نصوص السكّان الاصليّين في «العالم الجديد». وفي هذا الكتاب يحكى أن الآلهة خلقت الانسان أولًا من الوحل، وثانيًا من الخشب، وأخيرًا من نبات الذرة، حتى قدر الإنسان على الكلام والتحرّك. وكان عمل الآلهة شاقًّا للغاية، وعندما تعبت قرّرت أن تستريح على جانب طريق الخليقة، فأتت من بعدها آلهة أخرى، وهكذا دواليك، وخلال كل هذه الفترة كان عالمنا يسير بالاتّجاه الصحيح: هبوط نحو القاعدة.

في يوم من الأيّام أصيبت الآلهة باضطراب وحزن شديدين عندما اكتشفت أمرًا مثيرًا للقلق، فدعت لعقد اجتماعٍ عامٍّ يحضره جميع الرجال والنساء، وبعد أن احتشد الجميع، باشرت إحدى الآلهات بالقول بنبرةٍ مضطربة: «نحن في ورطة، يبدو أن الآلهات الأولى، تلك التي صنعتكم من نبات الذّرة، نَسَت إتمام إحدى مهامّها، وهي إعلامكم بأنّ الغشّ والخداع سيسكنان هذه البلاد يومًا ما». حدّثت الآلهة الرجال والنساء عن يومٍ قادمٍ سيتعرّفون فيه على المال، وقالت لهم: «في هذا اليوم، سينتهي وجودُ النهار، وأما الليل فسيظلّ ليلًا، وأمّا الصباح فسيغدو ليلًا، ولكنكم بسبب الغشّ الذي ساكنكم ستحسبون الليل صباحًا. وسيأتي من يدّعي أنّه صاحبُ هذه البلاد، بل وسيخبركم بأنّ العالم دائمٌ على ما هو عليه ولا سبيل لتغييره، وأنتم، السكّان الأصليون لهذه البلاد، المخلوقون من نبات الذّرة، ستعيشون وسط هذا الخداع والغشّ قرونًا عديدةً، وسيبدو لكم الكذّاب صادقًا، وستبكي نساؤكم ورجالكم وكباركم وصغاركم». قالت الآلهة، لا حائل من قدوم يوم الغشّ والخداع، واعترفت بأنها لا تعلم متى سيأتي ولا تعرف السبيل لإنهائه، فعمّ الصمت بين الرجال والنساء في الاجتماع العام.

رغم ما ساد على الحضور من خوفٍ وجزع، تمكّنت الآلهة والرجال والنساء من التوصّل إلى اتّفاقيّة، إليكم تفاصيلها: عند قدوم يوم النهار الكاذب، ستقول الآلهة إنّ الشمس ذهبت للنوم ويجب إيقاظها، ولكي توقظ الشمس على الرجال والنساء التمتّع بالأمور التالية: الأحلام الجميلة، والذاكرة الجيّدة، وروح النضال. وعلى الرجال والنساء أن يتشاوروا ويختاروا من بينهم الأكثرَ شجاعةً وصرامةً وحكمةً ليكون هؤلاء، في ذاك اليوم، يوم يسود الظلام على هذه البلاد، حُرّاسًا تُمكّنهم الآلهة من أن يحلموا بالنهار. حذّرت الآلهة وكرّرت: الخطر الأكبر ليس الغشّ والخداع، بل الظنّ بأنّ وضع الرجال والنساء أبديٌّ لا سبيل لتغييره، فيجب أن يكون بينكم من يقدر على الحُلم بِيَقَظة الشمس وتَسَاوي كل الأشياء.

لم يصل الرجال والنساء إلى اتفاقٍ على الأكثر شجاعة وصرامة وحكمة، فكثيرٌ منهم ادّعى ذلك، ولذلك قُبِلَ اقتراح الآلهة بأن تتولى هي نفسها عمليّة الاختيار، فاختارت رجلًا مسنًّا وامرأة مسنّةً، وقالت عنهم الآلهة: «إنّهما الأكثر شجاعة وصرامة وحكمة من بينكم، سيحرسان الأحلام الجميلة في بشرتهما، وعندما يأتي يوم تيقظون الشمس سيكون منكم مَنْ هُم على معرفة بما على العالم أن يكونه». فأخذت الآلهة تودع الأحلام الجميلة في أيدي المسنّ والمسنّة ووجهيهما وجسديهما، وهكذا أخذت التجاعيد تظهر في قسماتهما وأصبحت بملامح تذكّر الناس بوجود الأحلام الجميلة. لكن جسميهما لم يسعا الأحلام كلّها، فاختارت الآلهة امرأةً وأودعت الأحلام الجميلة في شعرها، ومنذئذ تعتبر الشعوب الأصلية النساءَ المجدّلاتِ الشَعر الأكثرَ شجاعةً وصرامةً وحكمةً بين الناس.

وهكذا جاء ذاك اليوم المرتقب، جاء مع قدوم الأسبان إلى هذه البلاد وغزوها واستعمارها. ومنذ مجيئهم حدث الكثير، من إعلانات الاستقلال عن الأوروبيين وحتى الثورات وغيرها، وأمّا بالنسبة لنا، نحن الشعوب الأصلية لهذه البلاد، فقد بقينا على حالنا، مُستَغَلّين بسبب لغتنا ولون بشرتنا ووجدانيّتنا. تصرخ عجائز جبال بلادنا المكسيك ونساؤها أنّه قد حان الأوان لإيقاظ الشمس، للتنقيب في تجاعيد العجائز ولفكّ جدائل شعر النساء، كي تنطلق الأحلام الجميلة من حوافظها، فهنّ يحذرننا: إن لم نقم بذلك الآن، فقد لا تبقى أرضٌ لِنحرثها ونحبّها، إن لم نوقظ أنفسنا من كابوس الغشّ والخداع لن يبقى لنا شيء لنناضل من أجله.

المصدر: صحيفة لا خورنادا (La Jornada).

هذا النص جزء من المنشور:

Skip to content